في عبارة الشيخ رئيس الصناعة ولا ان العبد له اختيار ناقص وجبر ناقص بل معناه انه مختار من حيث إنه مجبور ومجبور من الوجه الذي هو مختار وان اختياره بعينه اضطراره وقول القائل خير الأمور أوسطها يتحقق في هذا المذهب فان التوسط بين الضدين قد يكون بمعنى الممتزج عن مكسور طرفيهما كالماء الفاتر الذي يقال لا حار ولا بارد مع أنه ليس بخارج عن جنسهما فهذا معنى قولهم ان التوسط بين الأضداد بمنزله الخلو عنها وقد يكون الجامع لها بوجه أعلى وابسط من غير تضاد وتزاحم بينهما وهذا في مثال الحرارة والبرودة كجوهر الفلك عند التحقيق فإنه مع بساطته يوجد فيه هذه الكيفيات الأربع على وجه أعلى وابسط مما يوجد في هذا العالم لان التي توجد منها انما يفيض منها وبواسطتها فالتوسط بهذا المعنى خير من التوسط بالمعنى الأول فمثال المذهب الأول كالحرارة النارية والمذهب الثاني كالبرودة المائية والثالث كالكيفية التي في الماء الفاتر والرابع كحال الفلك عند التحقيق حيث ليست حرارتها ضد برودتها مع شدتهما جميعا فأنت أيها الراغب في معرفه الأشياء بالتحقيق الساعي بسلوكه إلى نيل عالم التقديس لا تكن ممن اتصف بأنوثة التشبيه المحض ولا بفحولة التنزيه الصرف ولا بخنوثة الجمع بينهما كمن هو ذو الوجهين بل كن في الاعتقاد كسكان صوامع الملكوت الذين هم من العالين ليست لهم شهوة أنوثة التشبيه ولا غضب ذكوره التنزيه ولا خنوثة الخلط بين الامرين المتضادين وانما هم من أهل الوحدة الجمعية الإلهية فإنه سبحانه عال في دنوه دان في علوه واسع برحمته كل شئ لا يخلو من ذاته شئ (1) من الذوات ولا من فعله شئ من الافعال ولا من شانه شئ من الشؤون ولا من ارادته ومشيته شئ من الإرادات والمشيات
(٣٧٦)