ولأجل ذلك نرى أنه سبحانه ينص على ذلك ويصرح بأنه زوده بشريعة اكتملت جوانبها يوم قال تعالى: " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا " (المائدة - 3) وظاهر قوله: " أكملت لكم دينكم " أنه سبحانه أكمل دينه النازل على نبيه الأكرم صلى الله عليه وآله من جميع الجوانب، وكل الجهات.
فهذا الدين كامل من حيث توضيح المعارف والعقائد، كامل من حيث بيان الوظائف والأحكام، كامل من جهة عناصر استمراره، وموجبات خلوده، ومتطلبات بقائه، على مدى الأيام والدهور.
فلا وجه - إذن - لقصر الآية على الكمال من ناحية دون ناحية، وجانب دون جانب فهي بإطلاقها تنبئ عن كمال الشريعة في جميع جوانبها، ومجالاتها من غير اختصاص بالإيمان، أو بالحج، أو بغيره.
على أن حديث الإكتمال الوارد في هذه الآية، لا يختص بإكمال الدين من حيث بيان العقيدة وتبليغ الشريعة، بل يعم الاكتمال من جهة بقاء الشريعة واستمرار وجودها طيلة الأعوام والحقب القادمة، إذ ليس حديث الدين كالمناهج الفلسفية والأدبية وما يشبه ذلك، فإن الاكتمال في هذه المناهج يتحقق بمجرد بيان نظامها وتوضيح خطوطها الفكرية، سواء أطبقت على الخارج أم لا، وسواء استمر وجودها في مهب الحوادث أم لا، بل الدين شريعة إلهية أنزلت للتطبيق على الخارج ابتداء واستمرارا حسب الأجل الذي أريد لها.
فتشريع الدين من دون تنظيم عوامل استمرار وجوده يعد دينا ناقصا ولأجل ذلك دلت السنة على نزول الآية " اليوم أكملت " يوم غدير خم عندما قال النبي (صلى الله عليه وآله) بنصب على (عليه السلام) للولاية والخلافة (1).