كما يصنع الملوك ولا يستميل أحدا إلى نفسه وكان معاوية بخلاف ذلك فترك الناس عليا والتحقوا بمعاوية، فشكى علي عليه السلام إلى الأشتر تخاذل أصحابه وفرار بعضهم إلى معاوية فقال الأشتر: يا أمير المؤمنين إنا قاتلنا أهل البصرة بأهل البصرة وأهل الكوفة ورأي الناس واحد، وقد اختلفوا بعد وتعادوا وضعفت النية وقال العدد وأنت تأخذهم بالعدل وتعمل فيهم بالحق وتنصف الوضيع من الشريف فليس للشريف عندك فضل منزلة على الوضيع فضجت طائفة ممن معك من الحق إذ عموا به واغتموا من العدل إذ صاروا فيه، ورأوا صنائع معاوية عند أهل الغنا والشريف فتاقت أنفس الناس إلى الدنيا وقل من ليس للدنيا بصاحب وأكثرهم يجتوي الحق ويشتري الباطل ويؤثر الدنيا، فإن تبذل المال يا أمير المؤمنين يميل أعناق الرجال وتصفو نصيحتهم لك ويستخلص ودهم صنع الله لك يا أمير المؤمنين وكبت أعدائك وفض جمعهم وأوهن كيدهم وشتت أمورهم إنه بما يعملون خبير، فقال علي عليه السلام: أما ما ذكرت من عملنا وسيرتنا بالعدل فإن الله عز وجل يقول:
(من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد) وأنا من أن أكون مقصرا فيما ذكرت أخوف، وأما ما ذكرت من أن الحق ثقل عليهم ففارقونا لذلك فقد علم الله أنهم لم يفارقونا من جور ولا لجؤوا إذ فارقونا إلى عدل، ولم يلتمسوا إلا دنيا زائلة كان قد فارقوها وليسئلن يوم القيامة أللدنيا أرادوا أم لله عملوا، وأما ما ذكرت من بذل الأموال واصطناع الرجال فإنه لا يسعنا أن نؤتي أمرا من الفئ أكثر من حقه وقد قال الله سبحانه وتعالى وقوله الحق (كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين) وقد بعث الله محمدا صلى الله عليه وآله وحده، فكثره بعد القلة، وأعز فئته بعد الذلة، وإن يرد الله أن يولينا هذا الأمر يذلل لنا صعبه ويسهل لنا حزنه وأنا قابل من رأيك ما كان الله عز وجل رضا، وأنت من آمن الناس عندي وأنصحهم لي وأوثقهم في نفسي إن شاء الله.