خامسها: أنه كيف أفرد الكلام في موضع، حيث قال تعالى: * (من آمن) * * (وآتى المال) * * (وأقام الصلاة) * وجمع في موضع آخر حيث قال تعالى:
* (والموفون) * * (والصابرين) *؟
أما الأول فقد أجيب عنه - أولا - بما حاصله: ان هذا النفي وقع ردا على من اعتقد أن التوجه إلى الصلاة هي البر كله، فردهم عن خطأهم هذا بأن الصلاة ليست هي البر كله إنما البر ما ذكره تعالى من أنواع تلك الطاعات وأقسام تلك الواجبات.
وأجيب ثانيا: بأن هذه الآية نزلت ردا على اليهود الذين يتوجهون في الصلاة إلى المغرب إلى بيت المقدس، والنصارى الذين يتوجهون إلى المشرق، واعتقد الفريقان أن هذا التوجه بر وطاعة كذبهم الله تعالى بهذا الاعتقاد، وأن هذا التوجه ليس من البر والطاعة، لأنه منسوخ بشريعة النبي الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله).
وأما الثاني فقد أجيب عنه بوجوه أصحها وأصلحها - لقربه مما يتطلبه مقام القرآن الكريم من بليغ البلاغة، وبعده عن التزام الحذف والتقدير -: هو أن العرب حيث تريد المبالغة في شئ من الأشياء وبيان أنه متمحض في الوصف المقصود حتى كأنه هو هو وكأن هذا ذاك يخبرون عنه بمبدأ الوصف الذي هو المصدر تحقيقا لذلك الحال، وفي ذلك من روعة التعبير وإبراز الصورة المعقولة مبرز الصورة المحسوسة ما تعترف بحسنه الباهر، البلاغة والبلغاء، وخذ إليك الآن شيئا أو بعض شئ من منظوم كلام العرب ما يكون شاهد صدق على هذا الادعاء:
قالت الخنساء: (1) ترتع ما رتعت حتى إذا ادكرت * فإنما هي إقبال وإدبار