فأعجبه منها ذلك الكلام، فقال لها: قاتلك الله ما أفصحك؟
فقالت له: يا شيخ، وهل ترك لنا القرآن من فصاحة بعد قوله تعالى: * (وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين) * (1)؟ (2) فقد جمع بين أمرين ونهيين وبشارتين في آية واحدة، ولو أردنا الاستمرار في سرد الدلائل والشواهد من هذا وأمثاله لفاتنا العد والاحصاء، فلنكتف بهذا القليل ففي هذا القليل كفاية لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
فمن هذا وذاك وكل ذلك تعرف أن القرآن الكريم معجز بكل جهاته ولا سيما جهة الفصاحة والبلاغة، الأمر الذي أدركه أهل الفصاحة والبلاغة وامراء الكلام في وقته، فاضطرهم الحال إلى المقارعة بالسنان دون المنازعة باللسان، وهل - يا ترى - ترى عاقلا مختارا يختار الأصعب على الأسهل في حين أن الأسهل يتأتى له بسهولة؟ ما هذا من العقل، ولا هو فعل العقلاء.