الإعجاز تدل دلالة واضحة على أن إعجاز القرآن من كل جهة لا من جهة واحدة.
وإننا لو أردنا أن نتبع شيئا أو بعض شئ من كلام العرب جاهلية وإسلاما في أمر القرآن وإعجابهم بجهة إعجازه لوجدناهم معجبين كل الإعجاب بفصاحته العالية. وقد مر عليك من قبل حديث النابغة واستمالة القرآن له بفصاحته وبلاغته لما سمع آياته أو بعض آياته فمال إلى الدخول في الاسلام، فمنعه أبو جهل بحجة أنه يحرم عليه الأطيبين - الزنا والخمر -، وهكذا الآخر الوليد بن المغيرة، حتى قال: رأينا فيه الحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمورق، وإن أسفله لمغدق، وما هو بقول بشر، فكان هذا له حريا بأن يجعله المؤمن المسلم لولا أن تنزغة من الشيطان أخذت عقله واستولت على مشاعره فنكست به رأسا على عقب، فإذا بالشيطان ينفث على لسانه فيقول، كما حكاه القرآن الكريم عنه: * (إن هذا إلا سحر يؤثر) * (1) وها نحن نراهم قد تألبوا وتحزبوا وتناصروا وتظاهروا عند نزول هذه الآية الكريمة * (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب) * (2) فلم يأتوا بعد لأي ولأي إلا بقولهم: " القتل أنفى للقتل " وأنت - أيها المستمع الكريم - لو وهبت ولو قليلا من الفصاحة والبلاغة لحكمت حكما جازما لا ريب فيه بأن قياس الآية الكريمة مع هذه الكلمة العقيمة قياس الثريا مع الثرى، والحصباء مع الجوزاء، والتبر بالتراب، لذلك قرر علماء الفصاحة والبلاغة بأن الآية الشريفة تفضل على هذه الكلمة السخيفة بثمانية عشر وجها من وجوه البلاغة والفصاحة مع غض النظر عن: قلة العبارة، ولطف الإشارة، وبداعة الأسلوب، وبراعة التركيب، والنظم الغريب، والتأليف العجيب.
وهكذا يروى أن الحجاج سمع امرأة من العرب تتكلم بفصاحة وبلاغة