بالقرآن في حفظه والمحافظة عليه إلى حد ليس فوقه من مزيد، وقد حفظ القرآن جميعه عن ظهر قلب جماعة من الصحابة غير قليلين، وكيف يخفى عليهم - والحال هذه - تمييز كلام القرآن عن غيره من سائر الكلام؟ ثم إنهم هم العرب العرباء الذين أدركوا مرتبة فصاحته وبلاغته البالغة حين نزوله فكيف يخفى عليهم ذلك بعد حين قليل ولا سيما وفيهم إمام الفصحاء وسيد البلغاء ومن سن الفصاحة لقريش عامة بشهادة الأعداء الألداء، ذلك هو أمير المؤمنين علي عليه الصلاة والسلام؟ فالرواية هذه - كما تراها - من وضوح البطلان بمكان.
ومنها: أن هذه الرواية لا تتم إلا بعد تمامية القول بأن القرآن جمع بعد عهد النبي (صلى الله عليه وآله) على عهد الصحابة، وهذا الأمر موقع خلاف كبير، فقد ذهب الكثير إلى أن القرآن جمع بعد عهد النبي (صلى الله عليه وآله) وحياته، ومع البناء على هذا القول نعرف أين يكون موقع هذه الرواية من الصحة والبطلان.
ومنها: أن هذا القول إنما يتم إذا بنينا على أن كل سورة من سور القرآن مستقلة بالإعجاز، وليس هذا القول بموقع الاتفاق والوفاق، فقد يقال - وقد قيل -: إن المعجز هو سور من القرآن، ففي سور القرآن ما هو المعجز، لا أن كل سورة من سور القرآن هو المعجز، وعلى كل حال ومهما يكن من أمر فقد رد القائلون بأن إعجاز القرآن للفصاحة على القائلين بأن إعجاز القرآن للصرفة بوجوه:
الأول: هو أن فصحاء العرب إنما كانوا يتعجبون من حسن نظمه وبلاغته، وسلاسته وجزالته، ويرقصون رؤوسهم عند سماع قوله تعالى * (وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجودي وقيل بعدا للقوم الظالمين) * (1) لذلك - أعني حسن النظم والبلاغة والسلاسة والجزالة - لا لعدم