وقت ما إلا وهو يعلم أن الصلاح لهم في ذلك الوقت في أن يأمرهم بذلك، ويعلم في وقت آخر أن الصلاح في أن ينهاهم عن مثل ما أمرهم به، فإذا كان ذلك الوقت أمرهم بما يصلحهم، فمن أقر بأن الله عز وجل له أن يفعل ما يشاء، ويؤخر ما يشاء ويخلق مكانه ما يشاء، ويقدم ما يشاء، ويؤخر ما يشاء، ويأمر بما يشاء، فقد أقر بالبداء، وما عظم الله عز وجل بشئ أفضل من الإقرار بأن له الخلق والأمر، والتقديم والتأخير، وإثبات ما لم يكن، ومحو ما قد كان، والبداء هو رد على اليهود لأنهم قالوا: إن الله قد فرغ من الأمر. فقلنا: إن الله تعالى * (كل يوم هو في شأن) * (1)، يحيي ويميت، ويرزق ويفعل ما يشاء، والبداء ليس من بداء به، وإنما هو ظهور أمر. تقول العرب: بدا لي الشخص في طريقي، أي ظهر، قال الله تعالى: * (وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون) * (2) أي ظهر لهم، ومتى ظهر لله تعالى ذكره من عبد صلة لرحمه زاد في عمره، ومتى ظهر له منه قطيعة رحم نقص من عمره ورزقه، ومتى ظهر له التعفف من الزنا زاد في رزقه وعمره. انتهى.
ومن هذا الكلام تعرف أن البداء معنى هو في نظره أعم من أن يكون في التكوينيات أم في التشريعيات، وليس هو - بكلا قسميه - إلا إظهار ما خفي على الناس من الأشياء مما يرون أنه ثابت وليس هو بثابت وإنما هو مؤجل بمصلحة خاصة.