دخلته الحمية والغيرة مع أنه " ص " أغير الناس؟؟ وكيف أنكر أبو بكر وعمر، ومنعهما؟ فهل كانا أفضل منه؟
وقد رووا عنه " ص ": (أنه لما قدم المدينة من سفر، خرجت إليه نساء المدينة يلعبن بالدف فرحا بقدومه، وهو يرقص بأكمامه) (1).
(١) وقريب منه ما رواه عن بريد: خرج رسول الله " ص " في بعض مغازيه، فلما انصرف، جاءت جارية سوداء، فقالت: يا رسول الله، إني نذرت: إن ردك الله سالما: أن أضرب بين يديك بالدف، وأتغنى؟ فقال رسول الله " ص ": إن كنت نذرت فاضربي، وإلا فلا. فجعلت تضرب، فدخل أبو بكر، وهي تضرب، ثم دخل علي وهي تضرب، ثم دخل عثمان وهي تضرب، ثم دخل عمر، فألقت الدف تحت استها، ثم قعدت عليها، فقال رسول الله " ص ": إن الشيطان ليخاف منك يا عمر، إني كنت جالسا، وهي تضرب، فدخل أبو بكر وهي تضرب، ثم دخل علي وهي تضرب، ثم دخل عثمان وهي تضرب، نم دخلت أنت يا عمر، فألقت الدف. (رواه الترمذي في الجامع ج ٥ ص ٣٨٤، وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب من حديث بريد، وفي هذا الباب عن عمر وعائشة، في أسد الغابة ج ٤ ص ٦٤، ومسند أحمد ج ٥ ص ٣٥٣ عن جابر قال: دخل أبو بكر على رسول الله " ص "، وكان يضرب بالدف عنده، فقعد ولم يزجر، لما رأى من رسول الله " ص "، فجاء عمر، فلما سمع رسول الله صوته كف عن ذلك، فلما خرج قالت عائشة: يا رسول الله، كان حلالا فلما دخل عمر صار حراما؟ فقال " ص ": يا عائشة: ليس كل الناس مرخى عليه (الغدير - ج ٨ ص ٦٤ ونوادر الأصول للترمذي ج ٢ ص ١٣٨ وروى ابن الأثير في جامع الأصول ج ١١ ص ٣٢٢ ط مصر): عن أنس بن مالك، قال: لما قدم رسول الله " ص " المدينة لعبت الحبشة لقدومه فرحا بذلك، لعبوا بحرابهم..
أقول: إذا أردنا أن نقذف بالحق على الباطل، فيدمغه، فإذا هو زاهق، فلا بد وأن نعرف سر اختلاف هذه الأحاديث، والداعي إلى افتعالها فهل الدافع لقولهم: (يجوز أن يبعث الله الكافر نبيا)، هو كون عدة من الخلفاء كانوا قبل الإسلام من عبدة الأصنام، على ما تواتر في التاريخ وأشرنا إليه في الحديث السابق: (لو كان بعدي نبي لكان عمر بن الخطاب)؟ أو غير ذلك؟.
وهل سر ذلك، والدافع إليه، وإلى نسبة السهو، وعدم العصمة إلى الأنبياء " ع " هو كون الخلفاء غير مأمونين من الخطأ والسهو، وعدم علمهم بالمعارف الدينية، والأحكام الشرعية، كما صرح في الكتب المعتبرة، مع أنه أساس الخلافة عندهم؟ أو غير ذلك؟.
وهل سر جعل أحاديث اللعب بالبنات، وشهوده " ص " المعازف والراقصات، والاستماع لأهازيجهن، هو إثبات فضيلة للخليفة الأول، والثاني كما يظهر من عدة منها؟.
أو هو إظهار منزلة حليلته عائشة عنده، كما يظهر من أخرى. ثم لا يقنعه ذلك كله، حتى يطلع زوجته عليها، في ملأ من الناس: وهو يقول لها: " أما شبعت؟ أما شبعت؟ وهي تقول: لا، لأنظر منزلتي عنده. (راجع سنن الترمذي ج ٥ ص ٢٨٤ والتاج الجامع للأصول ج ٣ ص ٣١٤، ومصابيح السنة ج ٢ ص ١٩٦).
مع أن الغناء والملاهي من عمل الشيطان، ومما حرم في الشريعة المقدسة، بنص الكتاب والسنة أفمن العقل أن تعزى إليه " ص " تلك المسامحة المسقطة له عن محله إلى هوة الجهل؟ وينتهرها الخليفة الأول، ويدحضها الثاني فحسب، دون رسول الله " ص "؟ وما هذا الشيطان الذي لا يخاف من الرسول، ويفرق من عمر؟ وأي نبي هذا الذي يسمع الملاهي، وترقص بين يديه الرقاصة الأجنبية، وتضرب بالدف وتغني، أو ينظر هو وزوجته إلى تلك المواقف المخزية، ثم يقول: " لست من دد، ولا الدد مني، أو يقول: " لست من دد، ولا دد مني "، أو يقول: " لست من الباطل، ولا الباطل مني "؟ (أخرجه البخاري في الأدب، وابن عساكر، راجع كنز العمال ج ٧ ص ٣٢٣، وفيض القدير ج ٥ ص ٢٦٥ كما في الغدير ج ٨ ص ٧٤.
ألا تعجب من رسول، يلعب الحبشة في مسجده الشريف الذي هو من أشرف بقاع الدنيا، والذي أسس على التقوى من أول يوم، كما صرح به القرآن الكريم قال تعالى: " وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا " الجن: ١٨، ألا تعجب منه، يرى الحبشة يزفون ويرقصون، وهو وحليلته ينظران إليهم، وعمر ينهاهن، ويقول النبي " ص ":
" دعهن يا عمر ". وقد قال ابن منظور في لسان العرب ج ١٩ ص ٢٧٤: قد رخص عمر في غناء الأعراب.
أقول: هذه الرواية وغيرها مما ورد في سنن البيهقي ج ١٠ ص ٢٢٤، وكنز العمال ج ٧ ص ٢٣٥ تكشف لنا سر جعل هذه الروايات، مضافا إلى ما ورد: من إحراز المعازف والغناء في أيام خلافة بني أمية مقاما عظيما عندهم كما صرح به أبو الفرج الإصبهاني في الأغاني ج 2 ص 20 و 211 و ج 4 ص 260 و ج 7 ص 387 و ج 8 ص 326 ثم.. أليس من شرط انعقاد النذر، كون متعلقه راجحا، ومما يبتغي به وجه الله، ليكون مقربا إليه تعالى زلفى، فيصح للناذر أن يقول: لله علي كذا. وقد قال رسول الله " ص ":
" لا نذر إلا فيما يبتغى به وجه الله تعالى "، أخرجه أبو داود، وأحمد، كما في التاج الجامع للأصول ج 3 ص 83، وقال " ص ": " ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه "، أخرجه ابن ماجة في سننه ج 1 ص 686 فأي رجحان في ضرب المرأة الأجنبية الدف بين يدي الرجل الأجنبي، وغنائها ورقصها أمامه؟ إلا أن يقال: إن تلك الجارية، أو مسجدالنبي " ص " قد أباحا تلك المحظورات..
أو أنه الوضع والغلو في فضائل الشيخين وعائشة؟ والله الهادي.