كان طاعة، وإلا فلا. وحينئذ لا يكون الفعل مستندا إلى العبد، لا في ذاته، ولا في شئ من صفاته، فينتفي هذا العذر أيضا، كما انتفى عذرهم الأول.
وأيضا الطاعة حسنة، والمعصية قبيحة، ولهذا ذم الله تعالى إبليس وفرعون على مخالفتهما أمر الله. كل فعل يفعله الله تعالى فهو حسن عندهم، إذ لا معنى للحسن عندهم سوى صدوره من الله، فلو كان أصل الفعل صادرا من الله امتنع وصفه بالقبح، وكان موصوفا بالحسن، فالمعصية التي تصدر من العبد إذا كانت صادرة من الله امتنع وصفها بالقبح، فلا تكون معصية فلا يستحق فاعلها الذم والعقاب، فلا يحسن من الله تعالى ذم إبليس، وأبي لهب، وغيرهما، حيث لم يصدر عنهم قبيح، ولا معصية. فلا تتحقق معصية من العبد البتة.
وأيضا المعصية قد نهى الله تعالى عنها إجماعا، والقرآن مملوء من المناهي والتوعد عليها. وكل ما نهى الله تعالى عنه فهو قبيح، إذ لا معنى للقبيح عندهم إلا ما نهى الله عنه، مع أنها قد صدرت عن إبليس، وفرعون، وغيرهما من البشر. وكل ما صدر من العبد فهو مستند إلى الله تعالى، والفاعل له هو الله تعالى لا غير عندهم، فيكون حسنا حينئذ، وقد فرضناه قبيحا، وهذا خلف.
وأما الثالث: فهو باطل بالضرورة. إذ إثبات ما لا يعقل غير معقول.
وكفاهم عن الاعتذار الفاسد اعتذارهم بما لا يعلمون. وهل يجوز للعاقل المنصف من نفسه المصير إلى هذه الجهالات، والدخول في هذه الظلمات؟، والأعراض عن الحق الوضح، والدليل اللائح؟ والمصير إلى ما لا يفهمه القائل، ولا السامع، ولا يدري؟ هل يدفع عنهم ما التزموا به؟ أو لا؟
فإن هذا الدفع وصف من صفاته، والوصف إنما يعلم بعد العلم بالذات، فإذا لم يفهموه كيف يجوز لهم الاعتذار به؟!.