فرض موجودا، فإنه حالة وجوده يمتنع عدمه، لامتناع اجتماع النقيضين، وإذا كان ممتنع العدم كان واجبا، مع أنه ممكن بالنظر إلى ذاته.
والعلم حكاية عن المعلوم، ومطابق له، إذ لا بد في العلم من المطابقة، فالعلم والمعلوم متطابقان.. والأصل في هيئة التطابق هو المعلوم، فإنه لولاه لم يكن علما به. ولا فرق بين فرض الشئ، وفرض ما يطابقه بما هو حكاية عنه، وفرض العلم هو بعينه فرض المعلوم، وقد عرفت أن مع فرض المعلوم يجب، فكذا مع فرض العلم به، وكما أن ذلك الوجوب لا يؤثر في الامكان الذاتي، كذا هو الوجوب. ولا يلزم من تعلق علم الله تعالى به وجوبه بالنسبة إلى ذاته، بل بالنسبة إلى العلم.
وأما المعارضة في الوجهين: فإنهما آتيان في حق واجب الوجود تعالى.
فإنا نقول في الأول:
لو كان الله تعالى قادرا مختارا، فإما أن يتمكن من الترك أو لا، فإن لم يتمكن من الترك كان موجبا مجبورا على الفعل، لا قادرا مختارا. وإن تمكن، فإما أن يترجح أحد الطرفين على الآخر أو لا، فإن لم يترجح لزم وجود الممكن المتساوي من غير مرجح، فإن كان محالا في حق العبد كان محالا في حق الله تعالى، لعدم الفرق. وإن ترجح، فإن انتهى إلى الوجوب، لزم الجبر، وإلا تسلسل، أو وقع المتساوي من غير مرجح فكل ما تقولونه ها هنا نقوله نحن في حق العبد.
ونقول في الثاني: إن ما علمه الله تعالى إن وجب، ولزم بسبب هذا الوجوب خروج القادر منا عن قدرته، وإدخاله في الموجب، لزم في حق الله تعالى ذلك بعينه. وإن لم يقتض سقط الاستدلال.
فقد ظهر من هذا أن هذين الدليلين آتيان في حق الله تعالى، وهما إن صحا