إنكار العلوم الضرورية، كما هو دأبه وعادته فيما تقدم، من إنكار الضروريات، فذهب إلى إثبات الكسب للعبد، فقال: الله تعالى موجد للفعل، والعبد مكتسب له (1).
فإذا طولب بتحقيق الكسب، وما هو؟ وأي وجه يقتضيه؟ وأي حاجة تدعو إليه؟ اضطرب أصحابه في الجواب عنه.
فقال بعضهم: معنى الكسب: خلق الله تعالى الفعل عقيب اختيار العبد الفعل، وعدمه عقيب اختيار العدم، فمعنى الكسب: إجراء العادة يخلق الله الفعل عند اختيار العبد.
وقال بعضهم: معنى الكسب: أن الله تعالى يخلق الفعل من غير أن يكون للعبد فيه أثر البتة، لكن العبد يؤثر في وصف كون الفعل طاعة أو معصية، فأصل الفعل من الله تعالى، ووصف كونه طاعة أو معصية من العبد.
وقال بعضهم: إن هذا الكسب غير معلوم، ولا معقول، مع أنه صادر عن العبد. (2).
وهذه الأجوبة فاسدة:
أم الأول: فلأن الاختيار والإرادة من جملة الأفعال، فإذا جاز صدورهما عن العبد فليجز صدور أصل الفعل عنه. وأي فرق بينهما؟ وأي حاجة وضرورة إلى التمحل بهذا؟ وهو أن ينسب القبائح بأسرها إلى الله تعالى، وأن ينسب الله تعالى إلى الظلم، والجور، والعدوان، وغير ذلك، وليس بمعلوم.