الحسين (عليه السلام) " محمول على ضرب من التأويل، وأما ما روي (1) - من أن الميت يعذب ببكاء أهله فمع الطعن فيها بالعامية كما عن عائشة أولا، وبوهم الراوي واشتباهه ثانيا، وقصورها عن معارضة غيرها من وجوه عديدة ثالثا، ومنافاتها للعقل والنقل على أن لا تزر وازرة وزر أخرى رابعا، إلى غير ذلك - فقد أجاد في الذكرى في الكلام عليها، فلاحظ، وكذا بعض الأخبار الدالة (2) بظاهرها على النهي عن البكاء فلتحمل على المشتمل على علو الصوت والشق واللطم أو المتضمن للجزع وعدم الرضا بقضاء الله تعالى أو غير ذلك، كما في الأخبار (3) إشارة إليه حيث اعترض على النبي (صلى الله عليه وآله) في بكائه على إبراهيم بأنك قد نهيت عن البكاء. فتأمل جيدا.
ولعله من جواز البكاء يستفاد جواز النوح عليه أيضا لملازمته له غالبا، مضافا إلى الأخبار (4) المستفيضة حد الاستفاضة المعمول بها في المشهور بين أصحابنا، بل في المنتهى الاجماع على جوازه إذا كان بحق، كالاجماع على حرمته إذا كان بباطل، وروي (5) " أن فاطمة (عليها السلام) ناحت على أبيها، فقالت: يا أبتاه من ربه ما أدناه، يا أبتاه إلى جبرئيل أنعاه، يا أبتاه أجاب ربا دعاه " كما روي عن علي (عليه السلام) (6) " أنه أخذت قبضة من تراب قبر النبي (صلى الله عليه وآله) فوضعتها على عينها ثم قالت:
ماذا على المشم تربة أحمد * أن لا يشم مدى الزمان غواليا صبت علي مصائب لو أنها * صبت على الأيام صرن لياليا