شخص استقبحه، ورب شخص ينفر عنه طبع ويميل إليه طبع فيكون حسنا في حق هذا قبيحا في حق ذاك، حتى يستحسن سمرة اللون جماعة، ويستقبحها جماعة، فالحسن والقبح عند هؤلاء عبارة عن الموافقة والمنافرة، وهما أمران إضافيان، لا كالسواد والبياض، إذ لا يتصور أن يكون الشئ أسود في حق زيد، أبيض في حق عمرو.
الاصطلاح الثاني: التعبير بالحسن عما حسنه الشرع بالثناء على فاعله، فيكون فعل الله تعالى حسنا في كل حال خالف الغرض أو وافقه، ويكون المأمور به شرعا ندبا كان أو إيجابا حسنا، والمباح لا يكون حسنا.
الاصطلاح الثالث: التعبير بالحسن عن كل ما لفاعله أن يفعله، فيكون المباح حسنا مع المأمورات، وفعل الله يكون حسنا بكل حال. وهذه المعاني الثلاثة كلها أوصاف إضافية وهي معقولة، ولا حجر على من يجعل لفظ الحسن عبارة عن شئ منها، فلا مشاحة في الألفاظ، فعلى هذا إذا لم يرد الشرع لا يتميز فعل عن غيره إلا بالموافقة والمخالفة، ويختلف ذلك بالإضافات ولا يكون صفة للذات، فإن قيل: نحن لا ننازعكم في هذه الأمور الإضافية ولا في هذه الاصطلاحات التي تواضعتم عليها، ولكن ندعي الحسن والقبح، وصفا ذاتيا للحسن والقبيح، مدركا بضرورة العقل في بعض الأشياء، كالظلم والكذب والكفران والجهل، ولذلك لا نجوز شيئا من ذلك على الله تعالى لقبحه، ونحرمه على كل عاقل قبل ورود الشرع، لأنه قبيح لذاته، وكيف ينكر ذلك والعقلاء بأجمعهم متفقون على القضاء به من غير إضافة إلى حال دون حال؟ قلنا: أنتم منازعون فيما ذكرتموه في ثلاثة أمور: أحدها: في كون القبح وصفا ذاتيا. والثاني: في قولكم أن ذلك مما يعلمه العقلاء بالضرورة. والثالث: في ظنكم أن العقلاء لو توافقوا عليه لكان ذلك حجة مقطوعا بها، ودليلا على كونه ضروريا. أما الأول: وهو دعوى كونه وصفا ذاتيا فهو تحكم بما لا يعقل، فإن القتل عندهم قبيح لذاته، بشرط أن لا تسبقه جناية ولا يعقبه عوض، حتى جاز إيلام البهائم وذبحها، ولم يقبح من الله تعالى ذلك، لأنه يثيبها عليه في الآخرة، والقتل في ذاته له حقيقة واحدة لا تختلف، بأن تتقدمه جناية أو تتعقبه لذة، إلا من حيث الإضافة إلى الفوائد والاغراض، وكذلك الكذب كيف يكون قبحه ذاتيا، ولو كان فيه عصمة دم نبي بإخفاء مكانه عن ظالم يقصد قتله لكان حسنا بل واجبا يعصى بتركه؟
والوصف الذاتي كيف يتبدل بالإضافة إلى الأحوال. وأما الثاني: وهو كونه مدركا بالضرورة وكيف يتصور ذلك ونحن ننازعكم فيه؟ والضروري لا ينازع فيه خلق كثير من العقلاء؟ وقولكم أنكم مضطرون إلى المعرفة وموافقون عليه، ولكنكم تظنون أن مستند معرفتكم السمع، كما ظن الكعبي أن مستند علمه بخبر التواتر النظر، ولا يبعد التباس مدرك العلم، وإنما يبعد الخلاف في نفس المعرفة، ولا خلاف فيها؟ قلنا: هذا كلام فاسد، لأنا نقول يحسن من الله تعالى إيلام البهائم، ولا نعتقد لها جريمة ولا ثوابا، فدل أنا ننازعكم في نفس العلم. وأما الثالث: فهو أنا لو سلمنا اتفاق العقلاء على هذا أيضا لم تكن فيه حجة، إذ لم يسلم كونهم مضطرين إليه، بل