يتناقض أن يكون الشخص الواحد أبا وابنا، لكن لشخصين، وأن يكون الشئ مجهولا ومعلوما لكن لاثنين، وتكون المرأة حلالا حراما لرجلين، كالمنكوحة حرام للأجنبي حلال للزوج والميتة حرام للمختار حلال للمضطر. الجواب الثالث: هو أن التناقض ما ركبه الخصم، فإنه اتفق كل محصل لم يهذ هذيان المريسي، أن كل مجتهد يجب عليه أن يعمل بما أدى إليه اجتهاده، ويعصي بتركه، فالمجتهدان في القبلة يجب على أحدهما استقبال جهة يحرم على الآخر استقبالها، فإن المصيب لا يتميز عن المخطئ، فيجب على كل واحد منهما العمل بنقيض ما يعمل به الآخر.
الشبهة الثانية: قولهم إن سلمنا لكم أن هذه المذهب ليس بمحال في نفسه لو صرح الشرع به، فهو مؤد إلى المحال في بعض الأمور، وما يؤدي إلى المحال فهو محال، فأداؤه إلى المحال فهو في حق المجتهد بأن يتقاوم عنده دليلان، فيتحير عندكم بين الشئ ونقيضه في حالة واحدة، وأما في حق صاحب الواقعة فإذا نكح مجتهد مجتهدة ثم قال لها:
أنت بائن وراجعها والزوج شفعوي يرى الرجعة والزوجة حنفية ترى الكنايات قاطعة للعصمة والرجعة، فيسلط الزوج على مطالبتها بالوطئ، ويجب عليها مع تسلط الزوج عليها منعه، وكذلك إذا نكح بغير ولي أولا ثم نكح آخر بولي، فإن كان كل واحد من المذهبين حقا فالمرأة حلال للزوجين، وهذا محال، ويمكن أن يستعمل هذا في نصرة الشبهة الأولى، والاعتراض على ما ذكرنا من دفع التناقض ورده إلى شخصين، فقد تكلفوا تقريره في حق شخص واحد. والجواب من أوجه، وحاصله أنه لا إشكال في هذه المسائل ولا استحالة، وما فيه من الاشكال فينقلب عليهم ولا يختص إشكاله بهذا المذهب، أما المجتهد إذا تعارض عنده دليلان قلنا فيه رأيان: أحدهما وهو الذي ننصره في هذه المسألة أنه يتوقف ويطلب الدليل من موضع آخر، لأنه مأمور باتباع غالب الظن ولم يغلب على ظنه شئ، فقولنا فيه قولكم، فإنه وإن كان أحدهما حقا عندكم فقد تعذر عليه الوصول إليه، وهذا يقطع مادة الاشكال، وعلى رأيي نقول: يتخير بأي دليل شاء، وسنفرد هذه المسألة بالذكر وننبه على غورها. أما الثانية: فقولنا فيها أيضا قولكم، فإن المصيب وإن كان واحدا عندهم فلا يتميز عن المخطئ، ويجب على المخطئ في الحال العمل بموجب اجتهاده لجهله بكونه مخطئا، إذا لا يتميز عن صاحبه، فقد أوجبوا عليها المنع، وأباحوا للزوج الطلب، فقد ركبوا المحال إن كان هذا محالا فسيقولون إنه ليس بمحال، وهو جوابنا الثاني ووجهه أن إيجاب المنع عليها لا يناقض إباحة الطلب للزوج ولا إيجابه، بل للسيد أن يقول لاحد عبديه، أوجبت عليك سلب فرس الآخر، ويقول للآخر أوجبت عليك منعه ودفعه ويقول لهذا: إن لم تسلب عاقبتك، ويقول للآخر: إن لم تحفظ عاقبتك، وكذلك يجب على ولي الطفل أن يطلب غرامة مال الطفل إذا أخبره عدلان بأنه أتلفه طفل آخر، ويجب على ولي الطفل المنسوب إلى الاتلاف إذا عاين صدور الاتلاف من غير الطفل أو علم كذب الشاهدين أن يمنع ويدفع، فيجب الطلب على أحدهما والدفع على الآخر مؤاخذة لكل واحد بموجب اعتقاده، نعم: هذا السؤال يحسن من منكري الاجتهاد من التعليمية وغيرهم إذ يقولون: أصل