وآثم بسبب تقصيره، لأنه كلف الطلب المقدور عليه فتركه فعصى وأثم وأخطأ حكم الله تعالى عليه، أما إذا لم يبلغه النص لا لتقصير من جهته لكن لعائق من جهة بعد المسافة وتأخير المبلغ والنص قبل أن يبلغه ليس حكما في حقه فقد يسمى مخطئا مجازا على معنى أنه أخطأ بلوغ ما لو بلغه لصار حكما في حقه، ولكنه قبل البلوغ ليس حكما في حقه، فليس مخطئا حقيقة، وذلك أنه لو صلى النبي عليه السلام إلى بيت المقدس بعد أن أمر الله تعالى جبريل أن ينزل على محمد عليه السلام ويخبره بتحويل القبلة فلا يكون النبي مخطئا لان خطاب استقبال الكعبة بعد لم يبلغه، فلا يكون مخطئا في صلاته، فلو نزل فأخبره وأهل مسجد قباء يصلون إلى بيت المقدس ولم يخرج بعد إليهم النبي عليه السلام ولا مناد من جهته فليسوا مخطئين، إذ ذلك ليس حكما في حقهم قبل بلوغه، فلو بلغ ذلك أبا بكر وعمر واستمر سكان مكة على استقبال بيت المقدس قبل بلوغ الخبر إليهم فليسوا مخطئين، لانهم ليسوا مقصرين، وكذلك نقل عن ابن عمر أنا كنا نخابر أربعين سنة، حتى روى لنا رافع بن خديج النهي عن المخابرة، فليس ذلك خطأ منهم قبل البلوغ لان الراوي غاب عنهم أو قصر في الرواية، فإذا ثبت هذا في مسألة فيها نص فالمسألة التي لا نص فيها كيف يتصور الخطأ فيها، فإن قيل:
فرضتم المسألة حيث لا دليل على الحكم المنصوص و نحن نخطئه إذا كان عليه دليل ووجب عليه طلبه فلم يعثر عليه، قلنا: عليه دليل قاطع أو دليل ظني، فإن كان عليه دليل قاطع فلم يعثر عليه وهو قادر عليه فهو آثم عاص ويجب تأثيمه، وحيث وجب تأثيمه وجبت تخطئته كانت المسألة فقهية أو أصولية أو كلامية، وإنما كلامنا في مسائل ليس عليها دليل قاطع، ولو كان لنبه عليه من عثر عليه من الصحابة غيره ولشدد الانكار عليهم فإن الدليل القاطع في مثل هذه المسألة نص صريح أو في معنى المنصوص على وجه يقطع به ولا يتطرق الشك إليه والتنبيه على ذلك سهل، أفيقولون لم يعثر عليه جميع الصحابة رضي الله عنهم فأخطأ أهل الاجماع الحق، أو عرفه بعضهم وكتمه أو أظهره فلم يفهمه الآخرون أو فهموه فعاندوا الحق وخالفوا النص الصريح وما يجري مجراه، وجميع هذه الاحتمالات مقطوع ببطلانها، ومن نظر في المسائل الفقهية التي لا نص فيها علم ضرورة انتفاء دليل قاطع فيها، وإذا انتفى الدليل فتكليف الإصابة من غير دليل قاطع تكليف محال، فإذا انتفى التكليف انتفى الخطأ، فإن قيل عليه دليل ظني بالاتفاق فمن أخطأ الدليل الظني فقد أخطأ؟ قلنا: الأمارات الظنية ليست أدلة بأعيانها، بل يختلف ذلك بالإضافات، فرب دليل يفيد الظن لزيد وهو بعينه لا يفيد الظن لعمرو مع إحاطته به، وربما يفيد الظن لشخص واحد في حال دون حال بل قد يقوم في حق شخص واحد في حال واحدة في مسألة واحدة دليلان متعارضان كان كل واحد لو انفرد لأفاد الظن، ولا يتصور في الأدلة القطعية تعارض، وبيانه أن أبا بكر رأى التسوية في العطاء إذ قال: الدنيا بلاغ، كيف وإنما عملوا لله عز وجل وأجورهم على الله، حيث قال عمر: كيف تساوي بين الفاضل والمفضول، ورأى عمر التفاوت ليكون ذلك ترغيبا في طلب الفضائل، ولان أصل الاسلام، وإن كان لله فيوجب الاستحقاق، والمعنى الذي ذكره أبو بكر فهمه عمر رضي الله عنهما، ولم يفده غلبة