خلاف قياس العبادات، لأنه لو أهل بإهلال زيد صح ولا يعهد مثله في العبادات، أما إذا لم يرد مورد الاستثناء فلا يخلو إما أن يرد على العلة المنصوصة أو على المظنونة، فإن ورد على المنصوصة فلا يتصور هذا إلا بأن ينعطف منه قيد على العلة، ويتبين أن ما ذكرناه لم يكن تمام العلة، مثاله قولنا: خارج فينقض الطهارة أخذا من قوله: الوضوء مما خرج، ثم بأن أنه لم يتوضأ من الحجامة، فعلمنا أن العلة بتمامها لم يذكرها، وأن العلة خارج من المخرج المعتاد، فكان ما ذكرناه بعض العلة، فالعلة إن كانت منصوصة ولم يرد النقض مورد الاستثناء لم يتصور إلا كذلك، فإن لم تكن كذلك فيجب تأويل التعليل، إذ قد يرد بصيغة التعليل ما لا يراد به التعليل لذلك الحكم، فقوله تعالى: * (يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين) * (الحشر: 2) ثم قال: * (ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله) * (الحشر: 4) وليس كل من يشاقق الله يخرب بيته، فتكون العلة منقوضة، ولا يمكن أن يقال إنه علة في حقهم خاصة، لان هذا يعد تهافتا في الكلام، بل نقول: تبين بآخر الكلام أن الحكم المعلل ليس هو نفس الخراب، بل استحقاق الخراب خرب أو لم يخرب. أو نقول: ليس الخراب معلولا بهذه العلة لكونه خرابا بل لكونه عذابا، وكل من شاق الله وسوله فهو معذب إما بخراب البيت أو غيره، فإن لم يتكلف مثل هذا كان الكلام منتقضا، أما إذا ورد على العلة المظنونة لا في معرض الاستثناء، وانقدح جواب عن محل النقض من طريق الا خالة، أن كانت العلة مخيلة أو من طريق الشبه إن كانت شبها، فهذا بين أن ما ذكرناه أولا لم يكن تمام العلة، وانعطف قيد على العلة من مسألة النقض به يندفع النقص. أما إذا كانت العلة مخيلة ولم ينقدح جواب مناسب وأمكن أن يكون النقض دليلا على فساد العلة وأمكن أن يكون معرفا اختصاص العلة بمجراها بوصف من قبيل الأوصاف الشبيهة يفصلها عن غير مجراها، فهذا الاحتراز عنه مهم في الجدل للمتناظرين لكن المجتهد الناظر ماذا عليه أن يعتقد في هذه العلة الانتقاض والفساد أو التخصيص، هذا عندي في محل الاجتهاد، ويتبع كل مجتهد ما غلب على ظنه، ومثاله قولنا: صوم رمضان يفتقر إلى النية، لأن النية لا تنعطف على ما مضى، وصوم جميع النهار واجب، وأنه لا يتجزأ فينتقض هذا بالتطوع، فإنه لا يصح إلا بنية، ولا يتجزأ على المذهب الصحيح، ولا مبالاة بمذهب من يقول إنه صائم بعض النهار فيحتمل أن ينقدح عند المجتهد فساد هذه العلة بسبب التطوع، ويحتمل أن ينقدح له أن التطوع ورد مستثنى رخصة لتكثير النوافل، فإن الشرع قد سامح في النفل بما لم يسامح به في الفرض، فالمخيل الذي ذكرناه يستعمل في الفرض ويكون وصف الفرضية فاصلا بين مجرى العلة وموقعها، ويكون ذلك وصفا شبيها اعتبر في استعمال المخيل وتميز مجراه عن موقعه، ومن أنكر قياس الشبه جوز الاحتراز عن النقض بمثل هذا الوصف الشبهي، فأكثر العلل المخيلة خصص الشرع اعتبارها بمواضع لا ينقدح في تعيين المحل معنى مناسب على مذاق أصل العلة، وهذا التردد إنما ينقدح في معنى مؤثرة لا يحتاج إلى شهاده الأصل فإن مقدمات هذا القياس مؤثر بالاتفاق من قولنا أن كل اليوم واجب وإن النبه عزم لا ينعطف على الماضي، وإن الصوم لا يصح إلا بنية، فإن كانت العلة مناسبة بحيث تفتقر إلى أصل يستشهد به، فإنما يشهد
(٣٣٣)