يطلب فيها الآية المحتاج إليها في وقت الحاجة، وأما السنة فلا بد من معرفة الأحاديث التي تتعلق بالأحكام، وهي وإن كانت زائدة على ألوف فهي محصورة وفيها التخفيفان المذكوران، إذ لا يلزمه معرفة ما يتعلق من الأحاديث بالمواعظ وأحكام الآخرة وغيرها الثاني: لا يلزمه حفظها عن ظهر قلبه بل أن يكون عنده أصل مصحح لجميع الأحاديث المتعلقة بالأحكام، كسنن أبي داود ومعرفة السنن لأحمد البيهقي أو أصل وقعت العناية فيه بجميع الأحاديث المتعلقة بالأحكام ويكفيه أن يعرف مواقع كل باب فيراجعه وقت الحاجة إلى الفتوى، وإن كان يقدر على حفظه فهو أحسن وأكمل. وأما الاجماع فينبغي أن تتميز عنده مواقع الاجماع حتى لا يفتي بخلاف الاجماع كما يلزمه معرفة النصوص حتى لا يفتي بخلافها، والتخفيف في هذا الأصل أنه لا يلزمه أن يحفظ جميع مواقع الاجماع والخلاف، بل كل مسألة يفتي فيها فينبغي أن يعلم أن فتواه ليس مخالفا للاجماع إما بأن يعلم أنه موافق مذهبا من مذاهب العلماء أيهم كان أو يعلم أن هذه واقعة متولدة في العصر لم يكن لأهل الاجماع فيها خوض فهذا القدر فيه كفاية، وأما العقل فنعني به مستند النفي الأصلي للأحكام، فإن العقل قد دل على نفي الحرج في الأقوال والافعال، وعلى نفي الاحكام عنها من صور لا نهاية لها، أما ما استثنته الأدلة السمعية من الكتاب والسنة فالمستثناة محصورة، وإن كانت كثيرة، فينبغي أن يرجع في كل واقعة إلى النفي الأصلي والبراءة الأصلية، ويعلم أن ذلك لا يغير إلا بنص أو قياس على منصوص، فيأخذ في طلب النصوص، وفي معنى النصوص الاجماع، وأفعال الرسول بالإضافة إلى ما يدل عليه الفعل على الشرط الذي فصلناه هذه المدارك الأربعة. فأما العلوم الأربعة التي بها يعرف طرق الاستثمار فعلمان مقدمان: أحدهما:
معرفة نصب الأدلة وشروطها التي بها تصير البراهين والأدلة منتجة والحاجة إلى هذا تعم المدارك الأربعة. والثاني: معرفة اللغة والنحو على وجه يتيسر له به فهم خطاب العرب، وهذا يخص فائدة الكتاب والسنة، ولكل واحد من هذين العلمين تفصيل وفيه تخفيف وتثقيل، أما تفصيل العلم الأول فهو أن يعلم أقسام الأدلة وأشكالها وشروطها، فيعلم أن الأدلة ثلاثة عقلية تدل لذاتها وشرعية صارت أدلة بوضع الشرع، ووضعية وهي العبارات اللغوية ويحصل تمام المعرفة فيه بما ذكرناه في مقدمة الأصول من مدارك العقول لا بأقل منه فإن من لم يعرف شروط الأدلة لم يعرف حقيقة الحكم ولا حقيقة الشرع، ولم يعرف مقدمة الشارع، ولا عرف من أرسل الشارع، ثم قالوا: لا بد أن يعرف حدوث العالم وافتقاره إلى محدث موصوف بما يجب لهو من الصفات منزه عما يستحيل عليه، وأنه متعبد عباده ببعثة الرسل وتصديقهم بالمعجزات، وليكن عارفا بصدق الرسول، والنظر في معجزته، والتخفيف في هذا عندي أن القدر الواجب من هذه الجملة اعتقاد جازم، إذ به يصير مسلما، والاسلام شرط المفتي لا محالة، فأما مجاوزة حد التقليد فيه إلى معرفة الدليل فليس بشرط أيضا لذاته لكنه يقع من ضرورة منصب الاجتهاد، فإنه لا يبلغ رتبة الاجتهاد في العلم إلا وقد قرع سمعه أدلة خلق العالم وأوصاف الخالق وبعثة الرسل وإعجاز القرآن، فإن كل ذلك يشتمل عليه كتاب الله، وذلك محصل للمعرفة الحقيقية، مجاوز بصاحبه حد التقليد