الحاجة إلى اللقاء علة باعثة على الخروج سابقة عليه، وإنما المتأخر نفس اللقاء، فكذلك الحاجة إلى عصمة الدماء هي الباعثة للشرع على جعل القتل سببا للقصاص، والشريك في هذا المعنى يساوي المنفرد، والمثقل يساوي الجارح فألحق به قياسا.
- مسألة (قياس الحدود والكفارات) نقل عن قوم أن القياس لا يجري في الكفارات والحدود، وما قدمناه يبين فساد هذا الكلام، فإن إلحاق الاكل بالجماع قياس وإلحاق النباش بالسارق قياس، فإن زعموا أن ذلك تنقيح لمناط الحكم لا استنباط للمناط، فما ذكروه حق والانصاف يقتضي مساعدتهم إذ فسروا كلامهم بهذا فيجب الاعتراف بأن الجاري في الكفارات والحدود، بل وفي سائر أسباب الاحكام المنهج الأول في الالحاق دون المنهج الثاني، وأن المنهج الثاني يرجع إلى تنقيح مناط الحكم وهو المنهج الأول، فإنا إذا ألحقنا المجنون بالصبي بان لنا أن الصبا لم يكن مناط الولاية، بل أمر أعم منه، وهو فقد عقل التدبير، وإذا ألحقنا الجوع بالغضب بان لنا أن الغضب لم يكن مناطا بل أمر أعم منه، وهو ما يدهش العقل عن النظر، وعند هذا يظهر الفرق للمنصف بين تعليل الحكم وتعليل السبب. فإن تعليل الحكم تعدية الحكم عن محله وتقريره في محله، فإنا نقول: حرم الشرع شرب الخمر، والخمر محل الحكم ونحن نطلب مناط الحكم وعلته، فإذا تبينت لنا الشدة عديناها إلى النبيذ، فضممنا النبيذ إلى الخمر في التحريم، ولم نغير من أمر الخمر شيئا، أما ههنا إذا قلنا علق الشرع الرجم بالزنا لعلة كذا فيلحق به غير الزنا، يناقض آخر الكلام أوله، لان الزنا إن كان مناطا من حيث أنه زنا، فإذا ألحقنا به ما ليس بزنا فقد أخرجنا الزنا عن كونه مناطا، فكيف يعلل كونه مناطا، بما يخرجه عن كونه مناطا والتعليل تقرير لا تغيير، ومن ضرورة تعليل الأسباب تغييرها فإنك إذا اعترفت بكونه سببا ثم أثبت ذلك الحكم بعينه عند فقد ذلك السبب فقد نقضت قولك الأول أنه سبب، فإنا إذا ألحقنا الاكل بالجماع بان لنا بالآخرة أن الجماع لم يكن هو السبب بل معنى أعم منه وهو الافطار وإنما كان يكون هذا تعليلا لو بقي الجماع مناطا وانضم إليه مناط آخر يشاركه في العلة، كما بقي الخمر محلا للتحريم، وانضم إليه محل آخر وهو النبيذ، فلم يخرج المحل الذي طلبنا علة حكمه عن كونه محلا لكن انضم إليه محل آخر وهو النبيذ وكذلك ينبغي أن لا يخرج الجماع عن كونه مناطا وينضم إليه مناط آخر وهو الاكل، وذلك محال، بل الحاق الاكل يخرج وصف الجماع عن كونه مناطا، ويوجب حذفه عن درجة الاعتبار، ويوجب إضافة الحكم إلى معنى آخر حتى يصير وصف الجماع حشوا زائدا، وكذلك يصير وصف الزنا حشوا زائدا، ويعود الامر إلى أن مناط الرجم وصف زائد، لان مناط الرجم أمر أعم من الزنا، وهو إيلاج فرج في فرج حرام، فإذا مهما فسر مذهبهم على هذا الوجه اقتضى الانصاف المساعدة والله أعلم.
الركن الرابع العلة ويجوز أن تكون العلة حكما كقولنا: بطل بيع الخمر، لان حرم الانتفاع به، ولأنه نجس، وغلط من قال أن الحكم أيضا يحتاج إلى علة فلا يعلل به، ويجوز أن يكون وصفا محسوسا عارضا كالشدة، أو لازما كالطعم والنقدية والصغر أو من أفعال المكلفين كالقتل