على أصل؟ الاعتراض من وجوه: الأول: أن القياس فرع نص آخر لا فرع النص المخصوص به، والنص تارة يخصص بنص آخر وتارة بمعقول نص آخر، ولا معنى للقياس إلا معقول النص، وهو الذي يفهم المراد من النص، والله هو الواضع لإضافة الحكم إلى معنى النص، إلا أنه مظنون نص، كما أن العموم وتناوله للمسمى الخاص مظنون نص آخر فهما ظنان في نصين مختلفين، وإذا خصصنا بقياس الأرز على البر عموم قوله: * (وأحل الله البيع وحرم الربا) * (البقرة: 572) لم نخصص الأصل بفرعه: فإن الأرز فرع، حديث البر لا فرع آية إحلال البيع. الثاني: أنه يلزم أن لا يخصص القرآن بخبر الواحد لأنه فرع، فإنه يثبت بأصل من كتاب وسنة فيكون فرعا له، فقد سلم التخصيص بخبر الواحد من لا يسلم التخصيص بالقياس فهذا لازم لهم، فإن قيل: خبر الواحد ثبت بالاجماع لا بالظاهر والنص، قلنا وكون القياس حجة ثبت أيضا بالاجماع، ثم لا مستند للاجماع سوى النص فهو فرع الاجماع والاجماع فرع النص الحجة الثانية: أنه إنما يطلب القياس حكم ما ليس منطوقا به، فما هو منطوق به كيف يثبت بالقياس؟. الاعتراض: أنه ليس منطوقا به كالنطق بالعين الواحدة، لان زيدا في قوله: * (فاقتلوا المشركين) * (التوبة: 5) ليس كقوله: اقتلوا زيدا، والأرز في قوله:
* (وأحل الله البيع وحرم الربا) * (البقرة: 572) ليس كقوله: يحل بيع الأرز بالأرز متفاضلا ومتماثلا، فإذا كان كونه مرادا بآية إحلال البيع مشكوكا فيه كان كونه منطوقا به مشكوكا فيه لان العام إذا أريد به الخاص كان ذلك نطقا بذلك القدر، ولم يكن نطقا بما ليس بمراد، والدليل عليه جواز تخصيصه بدليل العقل القاطع، ودليل العقل لا يجوز أن يقابل النطق الصريح من الشارع، لان الأدلة لا تتعارض، فإن قيل: ما أخرجه العقل عرف أنه لم يدخل تحت العموم قلنا: تحت لفظه أو تحت الإرادة، فإن قلتم تحت اللفظ، فإن الله تعالى شئ وهو داخل تحت اللفظ من قوله تعالى: * (خالق كل شئ) * (الانعام: 201، الرعد: 16، الزمر: 62، غافر: 62) وإن قلتم: لا يدخل تحت الإرادة فكذلك دليل القياس يعرفنا ذلك ولا فرق.
الحجة الثالثة: أن النبي عليه الصلاة والسلام قال لمعاذ: بم تحكم؟ فقال: بكتاب الله، قال: فإن لم تجد قال: بسنة رسول الله قال: فإن لم تجد؟ قال: أجتهد رأيي فجعل الاجتهاد مؤخرا، فكيف يقدم على الكتاب؟ قلنا: كونه مذكورا في الكتاب مبني على كونه مرادا بالعموم، وهو مشكوك فيه، فكونه في الكتاب مشكوك فيه، ولذلك جاز لمعاذ ترك العموم بالخبر المتواتر وخبر الواحد، ونص الكتاب لا يترك بالسنة إلا أن تكون السنة بيانا لمعنى الكتاب، والكتاب يبين الكتاب، والسنة تبين السنة تارة بلفظ وتارة بمعقول لفظ، ثم نقول:
حكم العقل الأصلي في براءة الذمة يترك بخبر الواحد وبقياس خبر الواحد: لأنه ليس يحكم به العقل مع ورود الخبر فيصير مشكوكا فيه معه فكذلك العموم.
حجاج القائلين بتقديم القياس اثنتان: الأولى: أن العموم يحتمل المجاز والخصوص، والاستعمال في غير ما وضع له، والقياس لا يحتمل شيئا من ذلك، ولأنه يخصص العموم بالنص الخاص مع إمكان كونه مجازا ومؤولا فالقياس أولى. الاعتراض: أن احتمال الغلط في القياس ليس بأقل من احتمال ما ذكر في العموم من احتمال الخصوص والمجاز بل ذلك