والمخاطب إنما يدخل تحت خطاب نفسه إذا أثبت الحكم بلفظ عام، كقوله: حرم الوصال على كل عبد أو على كل مكلف، أو على كل إنسان، أو كل مؤمن أو ما يجري مجراه، وإن كان بلفظ عام فيكون فعله تخصيصا. المثال الثاني: أنه نهى عن استقبال القبلة في قضاء الحاجة ثم رآه ابن عمر مستقبلا بيت المقدس على سطح، فيحتمل أنه تخصيص، لأنه كان وراء سترة والنهي كان مطلقا، وأريد به ما إذا لم يكن ساتر، ويحتمل أنه كان مستثنى ومخصوصا فهو دليل على خروجه عن العموم إن كان اللفظ المحرم عاما له، ولا يصلح هذا، لان ينسخ به تحريم الاستقبال لأنه فعل يكون في خلوة وخفية فلا يصلح لان يراد به البيان، فإن ما أريد به البيان يلزمه إظهاره عند أهل التواتر أن تعبد فيه الخلق بالعلم وإن لم يتعبدوا إلا بالظن والعمل، فلا بد من إظهاره لعدل أو لعدلين. المثال الثالث: أنه نهى عن كشف العورة ثم كشف فخذه بحضرة أبي بكر وعمر، ثم دخل عثمان رضي الله عنهم فستره، فعجبوا منه فقال:
ألا أستحي ممن تستحي منه ملائكة السماء فهذا لا يرفع النهي، لاحتمال أنه لم يكن داخلا فيه، أو لعله كشفه لعارض وعذر، فإنه حكاية حال، أو أريد بالفخذ ما يقرب منه وليس داخلا في حده أو إباحته خاصة له أو نسخ تحريم كشف العورة، وإذا تعارضت الاحتمالات فلا يرتفع التحريم في حق غيره بالوهم.
السابع: تقرير رسول الله (ص) واحدا من أمته على خلاف موجب العموم، وسكوته عليه السلام عليه يحتمل نسخ أصل الحكم، أو تخصيص ذلك الشخص بالنسخ في حقه خاصة له، أو تخصيص وصف وحال ووقت ذلك الشخص ملابس له فيشاركه في الخصوص من شاركه في ذلك المعنى، فإن كان قد ثبت ذلك الحكم في كل وقت وفي كل حال تعين تقرير لكونه نسخا، إما على الجملة، وإما في حقه خاصة، والمستيقن حقه خاصة لكن لو كان من خاصيته لوجب على النبي عليه السلام أن يبين اختصاصه بعد أن عرف أمته أن حكمه في الواحد كحكمه في الجماعة، فيدل من هذا الوجه على النسخ المطلق، ولما أقر عليه السلام أصحابه على ترك زكاة الخيل مع كثرتها في أيديهم دل على سقوط زكاة الخيل، إذ ترك الفرض منكر يجب إنكاره، فإن قيل: فلعلهم أخرجوا ولم ينقل إلينا، أو لعله لم يكن في خيلهم سائمة، قلنا: العادة تحيل اندراس إخراجهم الزكاة طول أعمارهم والسوم قريب من الامكان، ويجب شرح ما يقرب وقوعه فلو وجب لذكره فهذه سبع مخصصات ووراءها ثلاثة تظن مخصصات، وليست منها فننظمها في سلك المخصصات.
الثامن: عادة المخاطبين فإذا قال لجماعة من أمته: حرمت عليكم الطعام والشراب مثلا وكانت عادتهم تناولهم جنسا من الطعام، فلا يقتصر بالنهي على معتادهم بل يدخل فيه لحم السمك والطير، وما لا يعتاد في أرضهم لان الحجة في لفظه، وهو عام وألفاظه غير مبنية على عادة الناس في معاملاتهم، حتى يدخل فيه شرب البول وأكل التراب وابتلاع الحصاة والنواة، وهذا بخلاف لفظ الدابة، فإنها تحمل على ذوات الأربع خاصة لعرف أهل اللسان في تخصيص اللفظ وأكل النواة والحصاة يسمى أكلا في العادة، وإن كان لا يعتاد فعله، ففرق