العموم إلا عن قاطع بلغهم في نسخ اللفظ الذي كان قد أريد به العموم، أو في عدم دخوله تحت الإرادة عند ذكر العموم، والاجماع أقوى من النص الخاص، لان النص الخاص محتمل نسخه، والاجماع لا ينسخ، فإنه إنما ينعقد بعد انقطاع الوحي.
الرابع: النص الخاص يخصص اللفظ العام، فقوله: فيما سقت السماء العشر يعم ما دون النصاب، وقد خصصه قوله عليه السلام: لا زكاة فيما دون خمسة أوسق وقوله تعالى: * (والسارق والسارقة) * (المائدة: 83) يعم كل مال، وخرج ما دون النصاب بقوله: لا قطع إلا في ربع دينار فصاعدا وقوله: * (فتحرير رقبة) * (المجادلة: 3) يعم الكافرة، فلو ورد مرة أخرى * (فتحرير رقبة مؤمنة) * (النساء: 29) في الظهار بعينة لتبين لنا أن المراد بالرقبة المطلقة العامة هي المؤمنة على الخصوص، وقد ذهب قوم إلى أن الخاص والعام يتعارضان ويتدافعان، فيجوز أن يكون الخاص سابقا، وقد ورد العام بعده لإرادة العموم فنسخ الخاص، ويجوز أن يكون العام سابقا، وقد أريد به العموم ثم نسخ باللفظ الخاص بعده، فعموم الرقبة مثلا يقتضي أجزاء الكافرة مهما أريد به العموم، والتقييد بالمؤمنة يقتضي منع أجزاء الكافرة فهما متعارضان، وإذا أمكن النسخ والبيان جميعا فلم يتحكم بحمله على البيان دون النسخ، ولم يقطع بالحكم على العام بالخاص، ولعل العام هو المتأخر الذي أريد به العموم وينسخ به الخاص، وهذا هو الذي اختاره القاضي، والأصح عندنا تقديم الخاص، وإن كان ما ذكره القاضي ممكنا، ولكن تقدير النسخ محتاج إلى الحكم بدخول الكافرة. تحت اللفظ ثم خروجه عنه، فهو إثبات وضع ورفع بالتوهم، وإرادة الخاص باللفظ العام غالب معتاد بل هو الأكثر، والنسخ كالنادر، فلا سبيل إلى تقديره بالتوهم، ويكاد يشهد لما ذكرناه من سير الصحابة والتابعين كثير، فإنهم كانوا يسارعون إلى الحكم بالخاص على العام، وما اشتغلوا بطلب التاريخ والتقدم والتأخر.
الخامس: المفهوم بالفحوى كتحريم ضرب الأب، حيث فهم من النهي عن التأفيف، فهو قاطع كالنص، وإن لم يكن مستندا إلى لفظ، ولسنا نريد اللفظ بعينه بل لدلالته، فكل دليل سمعي قاطع، فهو كالنص، والمفهوم عند القائلين به أيضا كالمنطوق، حتى إذا ورد عام في إيجاب الزكاة في الغنم، ثم قال الشارع: في سائمة الغنم زكاة، أخرجت المعلوفة من مفهوم هذا اللفظ عن عموم اسم الغنم والنعم.
السادس: فعل رسول الله (ص) وهو دليل على ما سيأتي بشرطه عند ذكر دلالة الافعال، وإنما يكون دليلا إذا عرف من قوله أنه قصد به بيان الاحكام، كقوله عليه السلام: صلوا كما رأيتموني أصلي وخذوا عني مناسككم فإن لم يتبين أنه أراد به البيان، فإذا ناقض فعله لحكمه الذي حكم به فلا يرفع أصل الحكم بفعله المخالف له لكن قد يدل على التخصيص، ونذكر له ثلاثة أمثلة: المثال الأول: إنه نهى عن الوصال ثم واصل، فقيل له: نهيت عن الوصال ونراك تواصل؟ فقال: إني لست كأحدكم إني أظل عند ربي يطعمني ويسقيني فبين أنه ليس يريد بفعله بيان الحكم، ثم تحريم الوصال إن كان بقوله لا تواصلوا أو نهيتكم عن الوصال فلا يدخل فيه الرسول عليه السلام لأنه مخاطب غيره،