مطيعا بالانفاق على الجميع لأجل قرينة لحاجة إلى النفقة، أو أعط من دخل داري، فهو بقرينة إكرام الزائر، فهذا وما يجري مجراه إذا قدروه فسبيلنا أن نقدر أضدادها، فإنه لو قال:
لا تنفق على عبيدي وزوجاتي كان عاصيا بالانفاق مطيعا بالتضييع، ولو قال: اضربهم، لم يكن عليه أن يقتصر على ثلاثة، بل إذا ضرب جميعهم عد مطيعا، ولو قال: من دخل داري فخذ منه شيئا، بقي العموم، بل نقدر ما لا غرض في نفيه وإثباته، فلو قال: من قال من عبيدي جيم فقل له صاد، ومن قال من جواري ألف فأعتقها فامتثل أو عصى، كان ما ذكرناه من سقوط الاعتراض وتوجهه جاريا، بل نعلم قطعا أنه لو ورد من صادق عرف صدقه بالمعجزة، ولم يعش إلا ساعة من نهار، وقال في تلك الساعة: من سرق فأقطعوه، ومن زنى فاضربوه والصلاة واجبة على كل عاقل بالغ، وكذلك الزكاة، ومن قتل مسلما فعلية القصاص، ومن كان له ولد فعليه النفقة، ومات عقيب هذا الكلام ولم نعرف له عادة ولا أدركنا من أحواله قرينة ولا صدر منه سوى هذه الألفاظ إشارة ورمزا ولا ظهر في وجهه حالة، لكنا نحكم بهذه الألفاظ ونتبعها، ولا يقال: جاء بألفاظ مشتركة مجملة ومات قبل أن يبينها، فلا يمكن العمل بها، ولو قدروا قرينة في نطقه وصورة حركته عند كلامه فليقدر أنه كتب في كتاب وسلمه إلينا وقال: اعملوا بما فيه ومات، وإن قدروا قرينة مناسبة بين هذه الجنايات والعقوبات فنقدر أمورا لا مناسبة فيها، كحروف المعجم، فإذا قال: من قال لكم ألف فقولوا جيم وأمثاله، فيكون جميع ذلك مفهوما معمولا به، وكل قرينة قدروها فنقدر نفيها ويبقى ما ذكرنا بمجرد اللفظ، وبهذا تبين أن الصحابة إنما تمسكوا بالعمومات بمجرد اللفظ وانتفاء القرائن المخصصة، لا أنهم طلبوا قرينة معممة وتسوية بين أقل الجمع والزيادة، فإن قيل: إذا قال: من دخل داري فأعطه، فيحسن أن يقال: ولو كان كافرا فاسقا، فربما يقول نعم، وربما يقول لا، فلو عم اللفظ فلم حسن الاستفهام؟ قلنا: لا يحسن أن يقال: وإن كان طويلا أو أبيض أو محترفا وما جرى مجراه، وإنما حسن السؤال عن الفاسق، لأنه يفهم من الاعطاء الاكرام، ويعلم من عادته أنه لا يكرم الفاسق، أو علم من عادة الناس ذلك فتوهم أنه يقتدي بالناس فيه، فلتوهم هذه القرينة المخصصة حسن منه السؤال، ولذلك لم يحسن في سائر الصفات، ولذلك لو لم يراجع وأعطى الفاسق وعاتبه السيد فله أن يقول: أمرتني بإعطاء كل داخل وهذا قد دخل فيقول السيد: كان ينبغي أن تعرف بعقلك أن هذا إكرام، والفاسق لا يكرم، فيتمسك بقرينة مخصصة، فربما يكون مقبولا، فلو لم يقل هذا ولكن قال: كان لفظي مشتركا غير مفهوم ، فلم أقدمت قبل السؤال؟ لم يكن هذا العتاب متوجها قطعا، فإن قيل فقد فرضتم الكلام في أداة الشرط، وقد قال بعمومه من أنكر سائر العمومات، فما الدليل في سائر الصور؟ قلنا: هذا يجري في (من) و (ما) و (متى) و (حيث) وأي وقت، وأي شخص ونظائره، ويجري أيضا في النكرة في النفي، كقوله: ما رأيت أحدا مثل قوله تعالى: * (ما أنزل الله على بشر من شئ) * (الانعام: 19) وكذلك في قولهم: (كل) و (جميع) و (أجمعون) بل هو أظهر، وهو النوع الثالث، وكذلك في النوع الرابع وهي صيغ الجموع، كالفقراء والمساكين، وهذا أيضا جار فيه، فإنه إذا قال لعبده: أعط الفقراء واقتل المشركين، واقتصر على هذا، وانتفت القرائن