لا يوجب كونه مجازا في الباقي، وكون الندب مستيقنا من الامر لا يوجب كونه مجازا في الوجوب، وكون الفعلة الواحدة مستيقنة في الامر لا يوجب كونه مجازا في التكرار، وكون البدار معلوما في الامر لا يوجب كونه مجازا في التراخي، ثم نقول: هذا متناقض، لان قولهم:
إن الثلاثة هو المفهوم فقط، يناقض قولهم: الباقي مشكوك، لأنه إن كان هو المفهوم فقط فالباقي غير داخل قطعا. وإن كانوا شاكين في الباقي، فقد شكوا في نفس المسألة، فإن الخلاف في الباقي وأخطأوا في قولهم إن الثلاثة مفهومه فقط.
شبه أرباب الوقف قد ذهب القاضي والأشعري وجماعة من المتكلمين إلى الوقف، ولهم شبه ثلاث : الأولى: أن كون هذه الصيغ موضوعة للعموم لا يخلو إما أن تعرف بعقل أو نقل، والنقل إما نقل عن أهل اللغة أو نقل عن الشارع، وكل واحد إما آحاد وإما تواتر، والآحاد لا حجة فيها، والتواتر لا يمكن دعواه، فإنه لو كان لأفاد علما ضروريا، والعقل لا مدخل له في اللغات وهلم جرا، إلى تمام الدليل الذي سقناه في بيان أن صيغة الامر مترددة بين الايجاب والندب، الاعتراض: أن هذا مطالبة بالدليل، وليس بدليل، ومسلم أنه إن لم يدل دليل، فلا سبيل إلى القول به، وسنذكر وجه الدليل عليه إن شاء الله.
الثانية: إنا لما رأينا العرب تستعمل لفظ العين في مسمياته، ولفظ اللون في السواد والبياض والحمرة، استعمالا واحدا متشابها، قضينا بأنه مشترك، فمن ادعى أنه حقيقة في واحد ومجاز في الآخر فهو متحكم، وكذلك رأيناهم يستعملون هذه الصيغ للعموم والخصوص جميعا بل استعمالهم لها في الخصوص أكثر، فقلما وجد في الكتاب والسنة والكلمات المطلقة في المحاورات ما لا يتطرق إليه التخصيص، فمن زعم أنه مجاز في الخصوص حقيقة، في العموم كان كمن قال: هو حقيقة في الخصوص مجاز في العموم، والقولان متقابلان فيجب تدافعهما والاعتراف بالاشتراك. الاعتراض: إن هذا أيضا يرجع إلى المطالبة بالدليل وليس بدليل، لان العرب تستعمل المجاز والحقيقة كما تستعمل اللفظ المشترك، ولم تقيموا دليلا على أن هذا ليس من قبيل المجاز والحقيقة بل طالبتم بالدليل على أن هذا ليس من المشترك.
الشبهة الثالثة: قولهم: إنه كم يحسن الاستفهام في قوله: افعل إنه للوجوب أو الندب، فيحسن الاستفهام في صيغ الجمع أنه أريد به البعض أو الكل، فإنه إذا قال السيد لعبده من أخذ مالي فأقتله، يحسن أن يقول: وإن كان أباك أو ولدك، فيقول: لا أو نعم، ويقول: من أطاعني فأكرمه، فيقول وإن كان كافرا أو فاسقا فيقول: لا أو نعم، فكل ذلك مما يحسن، فلو قال اقتل كل مشرك، فيقول: والمؤمن أيضا اقتله أم لا؟ فلا يحسن هذا الاستفهام لظهور التجوز به عن الخصوص، قلنا: المجاز إذا كثر استعماله كان للمستفهم الاحتياط في طلبه، أو يحسن إذا عرف من عادة المتكلم أنه يهين الفاسق والكافر وإن أطاعه، ويسامح الأب