مشكل لأنه لو فتح هذا الباب لم يكن التعلق بالاجماع، إذ ما من إجماع إلا ويتصور أن يكون عن اجتهاد، فإذا انقسم الاجماع إلى ما هو حجة وإلى ما ليس بحجة ولا فاصل سقط التمسك به، وخرج عن كونه حجة، فإنه إن ظهر لنا القاطع الذي هو مستندهم فيكون الحكم مستقلا بذلك القاطع، ومستندا إليه لا إلى الاجماع، ولان قوله عليه السلام: لا تجتمع أمتي على الخطأ لم يفرق بين إجماع وإجماع، ولا يتخلص من هذا إلا من أنكر تصور الاجماع عن اجتهاد، وعند ذلك يناقض آخر كلامه أوله حيث قال: اتفاقهم على تسويغ الخلاف مستنده الاجتهاد. المخلص الرابع: أن يقال: النظر إلى الاتفاق الأخير فأما في الابتداء فإنما جوز الخلاف بشرط أن لا ينعقد إجماع على تعيين الحق في واحد، وهذا مشكل فإنه زيادة شرط في الاجماع والحجج القاطعة لا تقبل الشرط الذي يمكن أن يكون وأن لا يكون، ولو جاز هذا لجاز أن يقال: الاجماع الثاني ليس بحجة، بل إنما يكون حجة بشرط أن لا يكون اتفاقا بعد اختلاف، وهذا أولى لأنه يقطع عن الاجماع الشرط المحتمل. المخلص الخامس: هذا، وهو أن الأخير ليس بحجة، ولا يحرم القول المهجور، لان الاجماع إنما يكون حجة بشرط أن لا يتقدم اختلاف، فإذا تقدم لم يكن حجة، وهذا أيضا مشكل، لان قوله عليه السلام: لا تجتمع أمتي على الخطأ يحسم باب الشرط، ويوجب كون كل إجماع حجة كيف ما كان، فيكون كل واحد من الاجماعين حجة، ويتناقض، فلعل الأولى الطريق الأول، وهو أن هذا لا يتصور، لأنه يؤدي إلى التناقض، وتصويره كتصوير رجوع أهل الاجماع عما أجمعوا عليه، وكتصوير اتفاق التابعين على خلاف إجماع الصحابة، وذلك مما يمتنع وقوعه بدليل السمع فكذلك هذا، فإن قيل: فإذا ذهب جميع الأمة من الصحابة إلى العول إلا ابن عباس وإلى منع بيع أمهات الأولاد إلا عليا، فإذا ظهر لهما الدليل على العول وعلى منع البيع فلم يحرم عليهما الرجوع إلى موافقة سائر الأمة، وكيف يستحيل أن يظهر لهما ما ظهر للأمة، ومذهبكم يؤدي إلى هذه الإحالة عند سلوك الطريق الأول؟ قلنا: لا إشكال على الطريق الأول إلا هذا، وسبيل قطعه أن يقال: لا يحرم عليهما الرجوع لو ظهر لهما وجه ذلك، ولكنا نقول:
يستحيل أن يظهر لهما وجه أو يرجعا لا لامتناعه في ذاته، لكن لافضائه إلى ما هو ممتنع سمعا، والشئ تارة يمتنع لذاته وتارة لغيره، كاتفاق التابعين على إبطال القياس وخبر الواحد، فإنه محال لا لذاته، لكن لافضائه إلى تخطئة الصحابة أو تخطئة التابعين كافة، وهو ممتنع سمعا، والله أعلم.
مسألة (ظهور حديث يخالف إجماع الصحابة) فإن قال قائل إذا أجمعت الصحابة على حكم ثم ذكر واحد منهم حديثا على خلافه ورواه، فإن رجعوا إليه كان الاجماع الأول باطلا، وإن أصروا على خلاف الخبر فهو محال، لا سيما في حق من يذكره تحقيقا، وإذا رجع هو كان مخالفا للاجماع، وإن لم يرجع كان مخالفا للخبر، وهذا لا مخلص عنه إلا باعتبار انقراض العصر فليعتبر قلنا عنه مخلصان: أحدهما: أن هذا فرض محال، فإن الله يعصم الأمة عن الاجماع على نقيض الخبر، أو يعصم الراوي عن النسيان إلى أن يتم الاجماع. الثاني: أنا ننظر إلى أهل الاجماع، فإن أصروا تبين أنه حق، وأن الخبر إما أن يكون غلط فيه الراوي فسمعه من غير