بتعريف درجة الفتوى لأصحابه حتى يلزم اتباعهم، وهو تخيير لهم في الاقتداء بمن شاؤوا منهم، بدليل أن الصحابي غير داخل فيه، إذ له أن يخالف صحابيا آخر، فكما خرج الصحابة بدليل فكذلك خرج العلماء بدليل، وكيف وهذا لا يدل على وجوب الاتباع بل على الاهتداء إذا اتبع، فلعله يدل على مذهب من يجوز للعالم تقليد العالم، أو من يخير العامي في تقليد الأئمة من غير تعيين الأفضل. الشبهة الثانية: أن دعوى وجوب الاتباع إن لم تصح لجميع الصحابة فتصح للخلفاء الأربعة، لقوله (ص): عليكم سنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي وظاهر قوله عليكم للايجاب، وهو عام، قلنا: فيلزمكم على هذا تحريم الاجتهاد على سائر الصحابة رضي الله عنهم، إذا اتفق الخلفاء، ولم يكن كذلك، بل كانوا يخالفون، وكانوا يصرحون بجواز الاجتهاد فيما ظهر لهم، وظاهر هذا تحريم مخالفة كل واحد من الصحابة، وإن انفرد فليس في الحديث شرط الاتفاق، وما اجتمعوا في الخلافة حتى يكون اتفاقهم اتفاق الخلفاء، وإيجاب اتباع كل واحد منهم محال مع اختلافهم في مسائل، لكن المراد بالحديث إما أمر الخلق بالانقياد وبذل الطاعة لهم، أي عليكم بقبول إمارتهم وسنتهم، أو أمر الأمة بأن ينهجوا منهجهم في العدل والانصاف والاعراض عن الدنيا وملازمة سيرة رسول الله (ص) في الفقر والمسكنة والشفقة على الرعية، أو أراد منع من بعدهم عن نقض أحكامهم، فهذه احتمالات ثلاثة تعضدها الأدلة التي ذكرناها. الشبهة الثالثة: قولهم: إنه إن لم يجب اتباع الخلفاء، فيجب اتباع أبي بكر وعمر، بقوله صلى الله عليه وسلم: اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر قلنا: تعارضه الأخبار السابقة، فيتطرق إليه الاحتمالات الثلاثة، ثم نقول بموجبه، فيجب الاقتداء بهما في تجويزهما لغيرهما مخالفتهما بموجب الاجتهاد، ثم ليت شعري، لو اختلفا كما اختلفا في التسوية في العطاء فأيهما يتبع. الشبهة الرابعة: أن عبد الرحمن بن عوف ولى عليا الخلافة بشرط الاقتداء بالشيخين، فأبى وولى عثمان فقبل، ولم ينكر عليه، قلنا: لعله اعتقد بقوله عليه السلام: من بعدي جواز تقليد العالم للعالم، وعلي رضي الله عنه لم يعتقد أو اعتقد أن قوله صلى الله عليه وسلم: اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر إيجاب التقليد ولا حجة في مجرد مذهبه ويعارضه مذهب علي إذ فهم أنه إنما أراد عبد الرحمن اتباعهما في السيرة والعدل، وفهم على إيجاب التقليد. الشبهة الخامسة: أنه إذا قال الصحابي قولا يخالف القياس فلا محمل له إلا سماع خبر فيه, قلنا: فهذا إقرار بأن قوله ليس بحجة وإنما الحجة الخبر، إلا أنكم أثبتم الخبر بالتوهم المجرد ومستندنا إجماع الصحابة رضي الله عنهم في قبول خبر الواحد وهم إنما عملوا بالخبر المصرح بروايته دون الموهوم المقدر الذي لا يعرف لفظه ومورده، فقوله ليس بنص صريح في سماع خبر، بل ربما قاله عن دليل ضعيف ظنه دليلا وأخطأ فيه، والخطأ جائز عليه، وربما يتمسك الصحابي بدليل ضعيف، وظاهر موهوم، ولو قاله عن نص قاطع لصرح به، نعم لو تعارض قياسان، وقول الصحابي مع أحدهما، فيجوز للمجتهد إن غلب على ظنه الترجيح بقول الصحابي أن يرجح، وكذلك نوع من المعنى يقتضي تغليظ الدية بسبب الجرم، وقياس أظهر منه يقتضي نفي التغليظ، فربما يغلب على ظن المجتهد أن ذلك المعنى
(١٦٩)