منتهى الدراية - السيد محمد جعفر الشوشتري - ج ٧ - الصفحة ٢٩٣
والحق أن يقال بعدم كونهما من الأحكام الوضعية مطلقا سواء أكانت الصحة بمعنى الخصوصية المترتبة على الشئ بحسب طبعه كصحة الفواكه كالرمان، أم بمعنى التمامية كما هو المقصود بها في مسألة الصحيح والأعم. أما على المعنى الأول فلان الخصوصيات الكامنة في الأشياء أمور تكوينية غير قابلة للجعل، بل هي من دواعي الجعل و علله، فليست منتزعة عن الحكم الشرعي فضلا عن تعلق الجعل بها.
وأما على المعنى الثاني فكذلك، إذ المقصود بالتمامية موافقة المأتي به للمأمور به الأولي وواجديته لجميع ماله دخل فيه شطرا و شرطا، ويقابلها مخالفته له، ومن المعلوم أنهما أجنبيتان عن الحكم الوضعي، لكونهما من أوصاف المأتي به، لا من شؤون المأمور به الداخلة في حيطة تصرف الشارع بما هو شارع. هذا في المأمور به الأولي.
وكذا الحال في المأمور به الثانوي أو الظاهري كالصلاة بالوضوء منكوسا أو بالمسح على الخف، والصلوات العذرية المحرزة شرائطها بالامارات الشرعية والأصول العملية كموارد قاعدة التجاوز والفراغ و حديث (لا تعاد) ونحو ذلك كالحكم بصحة صلاة من أجهر في موضع الاخفات جهلا وبالعكس، فان غاية ما يمكن أن يقال في مجعولية الصحة بالأصالة في أمثالها هو كون الاجزاء حكم الشارع.
لكنه غير ظاهر، ضرورة عدم تصرفه في مفهوم الصحة التي هي المطابقة، وإنما الاختلاف في موضوع الانطباق، فقد يكون ثابتا بالحكم الأولي، فصحته انطباق المأمور به بذلك الامر على المأتي به، وقد يكون ثابتا بالحكم الثانوي.
وهو إما بمعنى جعل البدل المسمى بالقناعة في مقام الامتثال، وإما بتقييد الواقع، وعلى كلا التقديرين يكون التصرف الشرعي في ناحية المأمور به ومتعلق الخطاب، فتنتزع الصحة من مطابقة المأتي به مع ذلك المأمور به الثابت بدليل ثانوي، كما ينتزع الفساد من عدمها.