منتهى الدراية - السيد محمد جعفر الشوشتري - ج ٧ - الصفحة ٢٩٨
خصوصية كامنة في الشئ لا ترفع إلا بالماء أو المسح على الأرض، أو الشمس، وتلك الخصوصية دعت الشارع إلى جعل أحكام للشئ المتصف بالنجاسة، فالنجاسة أعني تلك الخصوصية تكون نظير الملاكات في الأحكام التكليفية. ولو كانت النجاسة أمرا اعتباريا لم يكن معنى لغسلها بالماء مثلا، فان الامر بالغسل كاشف عن كون النجاسة المجهولة ماهيتها شيئا تكوينيا خارجيا، لا مجرد أمر اعتباري، إذ عليه لا معنى لغسلها بالماء الذي هو من الأعيان الخارجية، فالنجاسة كغير المأكول المحكوم بأحكام، فكما أن ما لا يؤكل من الأمور الخارجية فكذلك النجاسة، ويقابلها النظافة التي رتب عليها أحكام شرعية.
ومن هنا يصح أن يقال: ان النجاسة أمر وجودي، والطهارة أمر عدمي، وتظهر الثمرة بين وجوديتهما ووجودية أحدهما خاصة في جريان الأصول وعدمه.
والحاصل: أن الامر بالصلاة كما يكون مولويا كاشفا إنا عن الملاك وان لم ندركه كذلك الامر بالاجتناب عن النجس، فإنه خطاب مولوي كاشف عن الخصوصية الكامنة فيه، وليس أمر الشارع لمجرد تمييز المصداق حتى يكون إرشادا إلى القذارة غير المدركة عرفا.
وعليه فإشكال لزوم حمل الأوامر والنواهي على الارشاد غير متجه.
وأما إشكال طهارة ولد الكافر ونجاسته بالتبعية فهو مجرد استبعاد لا يقتضي بنفسه مجعولية الطهارة والنجاسة مع احتمال أن يكون الوجه فيه الربط الوثيق بين النفس والبدن، وتكون قذارة روح المشرك بل مطلق الكافر لأجل بعده عن حضرة الخالق المنان عز وجل موجبة لتأثر جسمه بها، فيكون محكوما بالنجاسة، وبمجرد تلفظه بالشهادتين وتسليمه للحق تنقلب تلك القذارة المعنوية إلى طهارة كذلك وتسري إلى بدنه فيطهر. وإنكار هذا التأثير والتأثر بين النفس والبدن منوط بحجة واضحة مفقودة. واحتمال هذا الوجه فيه كاف في تمامية ما أفاده الشيخ (قده) من كون النجاسة حقيقة مجهولة الكنه عنا.