لا يقال إن الأوامر المتعلقة بالتوقف لا يمكن كونها بيانا لثبوت العقاب، لأنها انما جاءت من جهة الهلكة، كما هو مقتضى التعليل في الاخبار، والحكم الذي جاء من جهة الهلكة لا يعقل ان يكون منشأ لثبوتها، للزوم الدور. فمورد هذه الأخبار مختص بالشبهة التي قامت الحجة في موردها على الواقع، على تقدير ثبوته، كالشبهة المقرونة بالعلم الاجمالي ونحو ذلك. وأما الشبهات البدوية بعد الفحص عن الدليل، فليس مرتكبها مقتحما في الهلكة، حتى يجب عليه التوقف، للقطع بعدم الهلكة فيها، من جهة قبح العقاب من دون بيان.
لأنا نقول: إذا تعلق حكم بطبيعة، وعلل بعلة، وكان المتكلم في مقام البيان، فالظاهر أن تلك الطبيعة في أي فرد وجدت محكومة بذلك الحكم، وان العلة سارية في جميع افراد تلك الطبيعة (66). ولا فرق فيما قلنا بين أن يكون الحكم المذكور في القضية مولويا، وبين ان يكون ارشاديا، الا ترى أن الطبيب لو قال للمريض كل الرمان لأنه مزيل للصفراء، يفهم منه ان إزالة الصفراء سارية في تمام افراده، وان هذه الطبيعة من دون تقييدها بشئ تصلح لذلك المريض.
والحاصل أنه لا اشكال في ظهور ما قلنا، وأن الاخبار تدل على أن مطلق الشبهة يجب فيها التوقف، لان عدم التوقف فيها موجب للاقتحام
____________________
(66) ويمكن ان يكون نفس التعليل بالوقوع في الهلكة بيانا لايجاب الاحتياط، ليصح العقاب على الواقع لو صادف مخالفته لمخالفته، فان البيان على لزوم شئ أو حرمته كما يتحقق بالامر به والنهى عنه، كذلك يتحقق بذكر أن من فعل ذلك يستحق كذا وكذا اجرا أو عقابا. لكن الانصاف أن الظاهر من الاخبار خلاف ذلك.