الخلقة من الأكوان الأربعة - لا التخيير الناشئ عن الملاك، فأصالة التخيير عند الدوران بين المحذورين ساقطة (1).
وأما البراءة العقلية: فغير جارية، لعدم الموضوع لها، فإن مدركها قبح العقاب بلا بيان، وفي دوران الأمر بين المحذورين يقطع بعدم العقاب، لأن وجود العلم الإجمالي كعدمه لا يقتضي التنجيز والتأثير، فالقطع بالمؤمن حاصل بنفسه بلا حاجة إلى حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان (2).
وفيه ما لا يخفى، أما بالنسبة إلى أصالة التخيير: فلأن انحصارها في المتزاحمين اللذين يكون في كل منهما ملاك يلزم استيفاؤه، مما لاوجه له، فإن في موارد الاضطرار - إلى بعض الأطراف الغير المعين من العلم الإجمالي - يحكم العقل بالتخيير في رفع الاضطرار بأيهما شاء، ويحكم بالتخيير لترك أيهما شاء، مع أن الملاك لا يكون في كل من الطرفين، ففي دوران الأمر بين المحذورين يحكم العقل بعدم ترجيح أحدهما المعين، لقبح الترجيح بلا مرجح، ويحكم بتساوي الفعل والترك، وهذا هو حكمه بالتخيير.
وبالجملة: إذا كان طرفا الفعل والترك في نظر العقل متساويين يحكم بالتخيير بينهما، ومجرد كون الإنسان لا يخلو من طرفي النقيض لا يوجب عدم حكم للعقل في موردهما.