وبالجملة: إن العقل إما يرى ترجيحا ملزما في أحد الطرفين فيحكم بالتعيين، وإلا فيحكم بالتخيير، ولا يبقى مرددا لا يحكم بشئ.
ولا يخفى أن عدم خلو الإنسان من الأكوان الأربعة أجنبي عن المقام.
نعم الإنسان كما لا يخلو عن الأكوان الأربعة لا يخلو عن أحد طرفي النقيض أيضا.
وأما ما أفاد في وجه عدم جريان البراءة العقلية فلا يخلو من غرابة، فإن كون العلم الإجمالي كعدمه لا يوجب القطع بالمؤمن، ولولا قبح العقاب بلا بيان فأي مانع للمولى من العقاب على التكليف الواقعي وجوبا كان أو حرمة؟! وإنما المؤمن بالنسبة إلى نوع التكليف هو قبح العقاب بلا بيان، وأما أصل التكليف المردد بين الوجوب والحرمة، فلما كان معلوما لا يكون موردا للقاعدة، ولا يجوز العقاب لا للقاعدة، بل لعدم قدرة المكلف على الموافقة القطعية، فعدم العقاب بالنسبة إلى نوع التكليف لقاعدة قبح العقاب بلا بيان، وبالنسبة إلى الموافقة القطعية للتكليف بينهما لعدم قدرة العبد عليها. هذا كله بالنسبة إلى الأصل العقلي (1).