وأما الثالث: فقد يقال فيه بالبراءة، لأن الأمر دائر بين أن يكون التكليف متعلقا بنفس الطبيعة، أو بالطبيعة المتقيدة بصدورها عن آحاد المكلفين، فتعلقه بنفس الطبيعة متيقن، وقيد صدورها من الآحاد مشكوك فيه، ومدفوع بالأصل، فإذا أتى واحد منهم بالطبيعة لا يكون للمولى حجة على إتيان البقية، لأن ما قامت الحجة بها - وهي أصل الطبيعة - قد اتي بها، ولا حجة له على صدورها من الجميع.
وبالجملة: يدور الأمر بين المطلق والمقيد، والأصل فيه البراءة.
وفيه: أن الأمر دائر بين صرف الوجود والطبيعة المتقيدة بصدورها من كل مكلف - أي نفس الطبيعة القابلة للكثرة - فمع إتيان بعضهم يشك في سقوط الأمر، فالأصل الاشتغال.
وعلى الوجه الثاني: فالظاهر أن الأصل فيه يقتضي الاحتياط، لأن التكليف المتوجه إلى المكلف معلوم قبل إتيان الغير، لأنه إما مكلف بالتكليف العيني، أو مكلف لانطباق النوع عليه، وبعد إتيان الغير يشك في سقوط التكليف.
وليس النوع مع الشخص من قبيل المطلق والمقيد حتى يقال: إن التكليف المتوجه إلى النوع معلوم، والتكليف المتوجه إلى الشخص مشكوك فيه يدفع بالأصل، لأن التكليف المتوجه إلى الشخص ليس متوجها إلى النوع المتشخص وإن ينسب إليه بعد التوجه إلى الشخص.
هذا، ولكن الإشكال في أصل المبنى، وأن التكليف في الواجب الكفائي متوجه إلى النوع، لأن هذا لا يرجع إلى محصل كما لا يخفى على المتأمل.