إذا عرفت ذلك نقول: إن المجعولات الشرعية في باب الأسباب والمسببات على قسمين:
أحدهما: أن يكون المسبب أمرا عقلائيا يكون متعارفا عندهم بأسباب خاصة عقلائية، فيردع الشارع [عن] تلك الأسباب، ويسلب السببية عنها، ويجعل السببية لأمر آخر، كباب الطلاق، فإن الطلاق - أي الهجران للزوجة وزوجيتها - متعارف عند العقلاء في كل ملة منتحلة بدين وغيره، ولم يتصرف الشارع في تلك الحقيقة، وليست مجعولة من قبل الشرائع، بل هو أمر عقلائي كسائر الحقائق العقلائية، وإنما تصرف الشارع في سببها، وسلب السببية عن الأسباب المتعارفة العقلائية، وردعهم عن ترتيب الآثار على تلك الأسباب، وحصر السببية على لفظ خاص هو " هي طالق " فاعتبر السببية الاعتبارية لتلك اللفظة دون غيرها، فخلع سائر الأسباب عن السببية من غير تصرف في المسبب، ويمكن أن لا يردع الشارع عن الأسباب العقلائية، لكن يجعل سببا آخر في عرض سائر الأسباب، فيعطي السببية للفظ أو فعل آخر، فتتسع به دائرة الأسباب المحققة لتلك الحقيقة.
وثانيهما: أن لا يكون المسبب من الأمور العقلائية، بل يكون من المخترعات الشرعية من غير سابقة له عند العقلاء، ففي مثله لابد وأن يكون سببه - أيضا - أمرا مجعولا شرعيا، ولا يعقل أن يتعلق الجعل بالمسبب دون سببه، لأن المفروض أن المسبب ليس أمرا عقلائيا، بل يكون اختراعيا، وما كان