ثم الأظهر أن يكون أخبار (من بلغ) بصدد جعل الثواب لمن بلغه ثواب، فعمله باحتمال إدراكه، أو طلبا لقول النبي - صلى الله عليه وآله - فهذا الجعل نظير الجعل في باب الجعالة: " بأن من رد ضالتي فله كذا " فكما أن ذلك جعل معلق على رد الضالة، فهذا - أيضا - جعل معلق على إتيان العمل بعد البلوغ برجاء الثواب.
وإنما جعل الثواب على ذلك حثا على إتيان كلية مؤديات الأخبار الدالة على السنن، لعلم الشارع بأن فيها كثيرا من السنن الواقعية، فلأجل التحفظ عليها جعل الثواب على مطلق ما بلغ عن النبي - صلى الله عليه وآله - نظير قوله تعالى: * (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها) * (1) حيث جعل تضاعف الأجر للحث على إتيان الحسنات، فالأخبار الشريفة بصدد الترغيب والحث على ما بلغ، ولها إطلاق بالنسبة إلى كل ما بلغ، بسند معتبر أو غيره.
وبهذا يظهر: أن استفادة الاستحباب الشرعي منها مشكل، فإن المستحب ما يتعلق به الأمر لأجل خصوصية راجحة في ذاته، ويكون الثواب لأجل استيفاء تلك الخصوصية الراجحة، والمستفاد من أخبار (من بلغ) أن إعطاء الثواب بما بلغ ليس لأجل خصوصية ذاتية فيما بلغ مطلقا، بل لأجل إدراك المكلف ما هو الواقع المجهول بينها، كما لو جعل الثواب على مقدمات علمية لأجل إدراك الواقع، وكما في جعل الثواب للمشي إلى زيارة قبر مولانا أبي