(قلت): مع أن الحكم الظاهري والمجعول الشرعي في كليهما عبارة عما هو مفاد أدلة حجيتهما (من وجوب البناء والجري العملي) يكون لسان دليل حجية الامارة شارحا ومفسرا لما هو موضوع جريان الأصل، فان المستفاد من قوله: (كل شئ نظيف) ليس إلا أن الشاك في الطهارة والنجاسة يجب عليه في مقام العمل ان يبنى على أحد طرفي الشك (أعني الطهارة) من دون نظر إلى احراز الواقع، وهذا بخلاف (مثل صدق العادل)، فان مفاده وجوب البناء على أن ما يحكيه هو الواقع، ووجوب ان يفرض الشخص نفسه رائيا للواقع وهذا اللسان رافع حكما لما هو موضوع الأصول (أعني الشك) فان رائى الواقع لا يبقى له شك.
(الخامس) ان حكومة الأحكام الظاهرية على الأحكام الواقعية حكومة ظاهرية يترتب عليها جواز ترتيب آثار الواقع في زمن الشك ما لم ينكشف الخلاف، من دون ان تمس كرامة الواقعيات، ولا يعقل كونها حكومة واقعية موجبة لتعميم الواقع أو تضييقه حقيقة، (بيان ذلك) ان الحكومة وان كانت بلسان نفى الموضوع أو اثباته ولكنها في الحقيقة تصرف في نفس الحكم بتعميمه لبعض الموارد التي لم يشملها الدليل المحكوم أو بتخصيص الدليل المحكوم أو تقييده، والتعميم والتخصيص والتقييد لا تتصور الا فيما إذا كان الحاكم في مرتبة المحكوم حتى يمكن تصرفه فيه، واما إذا كانا في رتبتين فلا يعقل تصرف أحدهما في الاخر الا بتجافي أحدهما عن مرتبته وهو امر غير معقول. ولا يخفى ان الحكم الظاهري متأخر عن الحكم الواقعي بمرتبتين لتأخره عن موضوعه (أعني الشك) والشك متأخر عن متعلقه (أعني الحكم الواقعي)، ولازم ذلك انحفاظ الواقع في جميع المراتب باطلاقه الذاتي، وليس للحكم الظاهري ان يتصرف في اطلاقه أو عمومه، وإذا لم يمكن تصرفه في الواقع حتى يكون حكومته حكومة واقعية، فلا محالة يكون الحكومة بلحاظ الظاهر وبحسب مقام الاثبات، ولازم ذلك جواز ترتيب آثار الواقع على المؤدى ما لم ينكشف الخلاف وإذا انكشف الواقع ينكشف عدم واجدية العمل لما شرط فيه واعتبر، إذ الفرض بقاء الواقع بحسب مقام الثبوت على ما هو عليه (انتهى).
(أقول): عمدة الاشكال في باب الاجزاء عبارة عن هذا الاشكال، ولكن الظاهر عدم وروده أيضا، فان الخطاب الواقعي (أعني ما دل على شرطية الطهارة مثلا للصلاة) وان