ويختلف مراتبه باختلاف مراتب قبول الطبع واستحسانه.
(وقد تلخص) مما ذكرناه ان ما ذكره (قدس سره) في الكفاية من كون الاستعمالات المجازية مستندة إلى الطبع امر صحيح، ولكن يرد عليه أن المستند إلى الطبع هو حسنها وأما صحتها فمستندة إلى الوضع، وليس صحة الاستعمال عين حسنه كما أوضحناه فتأمل جيدا.
الامر الرابع في ذكر اللفظ وإرادة نوعه أو مثله أو شخصه قال شيخنا الاستاد (قدس سره) في الكفاية ما حاصله: انه لا شبهة في صحة اطلاق اللفظ وإرادة نوعه به أو صنفه أو مثله، واما اطلاقه وإرادة شخصه ففي صحته بدون تأويل نظر، لاستلزامه اتحاد الدال والمدلول (إلى اخر ما قال قدس سره).
(أقول) الظاهر عدم كون المقام من قبيل استعمال اللفظ في المعنى كما ذكر (قدس سره) أيضا في آخر كلامه، وتحقيق ذلك يتوقف على ذكر مقدمة وهي انك قد عرفت سابقا ان الانسان لما كان محتاجا في إدامة الحياة إلى إظهار ما في ضميره والقائه إلى أبناء نوعه ليتعاونوا ويتوازروا، وكان القاء المعنى إلى الغير بدون الوسيلة امرا غير معقول، فلا محالة اختاروا لذلك أسهل الوسائل وأعمها نفعا وهي التلفظ، من جهة ان التنفس كان امرا ضروريا قهريا لجميع أبناء النوع، وكان يحصل من الهواء الخارج من الرية بسبب اصابته المقاطع أصوات موزونة يخالف بعضها بعضا، بحيث يتولد منها الحروف المختلفة ويتولد من الحروف بسبب التركيب الكلمات والجمل، فوضع كل منها بإزاء معنى خاص ويكون طريق الإفادة فيها ان الألفاظ الموضوعة كلها من تعينات الصوت الذي هو من مقولة الكيف المسموع، فلا محالة يتأثر منها العصب السمعي وبسببه ينتقل صورة اللفظ إلى الحس المشترك، فيدركه المخاطب أولا ثم ينتقل منه ذهنه إلى المعنى المراد من جهة العلقة الحاصلة بين اللفظ والمعنى بوسيلة الوضع، فما يوجد في ذهن المخاطب أولا هو اللفظ، ومنه ينتقل إلى المعنى، ولكن انس الذهن الحاصل بسبب الوضع وكثرة استعماله في المعنى يوجبان فنائه فيه، بحيث يغفل عنه ذهن المخاطب ويصير تمام توجهه إلى المعنى.