ترك الضد مقدمة لفعل الواجب فيكون واجبا من جهة المقدمية للواجب (واعلم) ان التضاد من النسب المتشابهة الأطراف كالاخوة مثلا فأي حكم ثبت لاحد الطرفين من جهة التضاد فلا محالة يثبت للطرف الاخر أيضا، فلو كان فعل أحد الضدين مقدمة لترك الاخر كان فعل الاخر أيضا مقدمة لترك هذا، كما أن ترك أحدهما لو كان مقدمة لفعل الاخر كان ترك الاخر أيضا مقدمة لفعله. (على هذا) فمقتضى الجمع بين الدليلين الالتزام بدور واضح، إذ المصرح به في الدليل الأول هو ان فعل الصلاة مثلا مقدمة لترك الإزالة، ولازمه (على ما ذكرنا) هو كون فعل الإزالة أيضا مقدمة لترك الصلاة، والمصرح به في الدليل الثاني هو كون ترك الصلاة مقدمة لفعل الإزالة (التي هي الواجب) ولازمه أيضا كون ترك الإزالة مقدمة لفعل الصلاة، و (الحاصل) ان لازم الدليل الأول هو كون فعل الإزالة مقدمة لترك الصلاة، والمصرح به في الدليل الثاني هو كون ترك الصلاة مقدمة لفعل الإزالة هذا دور واضح.
" وحيث انجر الكلام " إلى البحث عن وجود المقدمية بين وجود أحد الضدين وعدم الاخر، فالأولى ان نشرع في تحقيق المسألة بنحو التفصيل (فنقول): اختلفوا في المسألة على أقوال (الأول) عدم المقدمية من الطرفين فلا وجود أحد الضدين مقدمة لعدم الاخر ولا عدم أحدهما مقدمة لوجود الاخر، وهذا القول هو الموافق للتحقيق. (الثاني) المقدمية من طرف العدم دون الوجود، فعدم كل منهما مقدمة لوجود الاخر من دون عكس، (وبعبارة أخرى) وجود كل منهما يتوقف على عدم الاخر لعدم امكان اجتماع الضدين، واما عدم كل منهما فلا يتوقف على وجود الاخر لجواز ارتفاع الضدين.
" الثالث " تسليم المقدمية من الطرفين فيكون وجود كل منهما مقدمة لعدم الاخر وعدم كل منهما أيضا مقدمة لوجود الاخر، ويستفاد الالتزام بهذا القول من كلام الحاجبي والعضدي حيث أجابا (عن استدلال القائلين بحرمة الضد من جهة توهم مقدمية عدمه للواجب، وعن استدلال الكعبي على انتفاء المباح من جهة توهم توقف ترك المحرمات على اشتغال الانسان بفعل من الأفعال فيكون واجبا من باب المقدمية) بما حاصله انكار وجوب المقدمة، فيستفاد من هذا الجواب تسليمهما لأصل المقدمية في كلا الطرفين.