الاقتران بالمقارنات وعدمه.
(فان قلت): الظاهر أن الطلب الايجابي والندبي لا فارق بينهما بالنظر إلى ذاتيهما بل الفرق بينهما بجهة علتهما أعني الإرادة، فالطلب الانشائي المسبب من الإرادة الشديدة ينتزع عنه الوجوب، والطلب الانشائي المسبب من الإرادة الضعيفة ينتزع عنه الندب.
(قلت): العلتان المختلفتان لا يعقل أن يكون ما صدر عنهما متماثلين من جميع الجهات ويكون المايز بين المعلولين منحصرا في كون أحدهما منتسبا إلى العلة الكذائية والاخر منتسبا إلى العلة الكذائية الأخرى، ففيما نحن فيه ليس لاحد أن يقول إن الطلب الوجوبي والندبي متماثلان من جميع الجهات وانما يتصف الطلب الوجوبي بهذه الصفة أعني صفة الوجوب بصرف انتسابه إلى الإرادة الشديدة، والطلب الندبي يتصف بهذه الصفة بصرف انتسابه إلى الإرادة الضعيفة من دون أن يكون بينهما اختلاف من غير جهة الانتساب، وذلك لما عرفت من أن مرتبة المعلول بتمام ذاته تخالف مرتبة العلة. ولا يمكن أن يكون صدور المعلول عن علته من مقوماته وفصوله فتدبر.
(فتلخص مما ذكرنا) ان الاختلاف بين الوجوب والندب بحسب مقام الثبوت بالتشكيك ولكن لا بالتشكيك الذاتي بل بالتشكيك العرضي أعني بحسب المقارنات.
(وإذا اتضح ذلك) فيقع النزاع في أن الطلب المجرد من المقارنات هل ينتزع عنه الوجوب أو الندب؟ بعد الاتفاق على انتزاع الوجوب عن المقترن بالمقارنات الشديدة والاستحباب عن المقترن بالمقارنات الضعيفة. (والأظهر) عندنا ان ما ينتزع عنه الوجوب ويكون تمام الموضوع لحكم العقلاء باستحقاق العقوبة على مخالفته، هو نفس الطلب الانشائي الصادر عن المولى بداعي البعث (في قبال الطلب الاستهزائي ونحوه) فيما إذا لم يقترن بالمقارنات المضعفة له من الاذن في الترك ونحوه، من غير فرق بين ان يقترن بالمقارنات الشديدة أو لم يقترن بشئ أصلا، فالطلب المجرد أيضا ينتزع عنه الوجوب و يكون موضوعا لحكم العقلاء باستحقاق العقوبة بمخالفته، وذلك لوضوح ان عتاب المولى وعقابه للعبد عند تركه الامتثال للطلب البعثي الغير المقترن بالاذن في الترك، لا يقعان عند العقلاء موقع التقبيح، بل يرون العبد مستحقا للعتاب والعقاب، وعلي هذا فلا نحتاج