من دينار واحد؟ ولو طالبه فهل يجب على المولى اعطائه؟ لا، ولا يرى العبد نفسه مستحقا الا لدينار واحد، وليس ذلك الا لعدم وجود البعث بالنسبة إلى المقدمات، بل الموجود بعث واحد متعلق بالفعل المطلوب حتى في صورة جعل المقدمة في قالب الطلب أيضا، لما عرفت من أن البعث نحو المقدمة بما هي مقدمة عين البعث نحو ذيها بالنظر الدقيق (هذا)، مضافا إلى أن الوجوب الذي لا امتثال له ولا عقاب على مخالفته ولا يحصل بموافقته ومخالفته قرب ولا بعد يكون كالعدم ولا يستحق لان يطلق عليه اسم الامر والبعث ونحوهما. (فتحصل مما ذكرنا) ان الصادر عن المولى بعث واحد وطلب فارد متعلق بالمطلوب بالأصالة وبمقدماته بالعرض. ونظير البعث الانشائي البعث العملي، فان المولى إذا أخذ بيد العبد وجره نحو المطلوب فلا يعد هذا البعث الا بعثا واحدا متعلقا بالمطلوب النفسي ولا يكون هذا البعث متعددا عند العقلاء بعدد المقدمات بحيث يرى كل واحدة منها مبعوثا إليها بالاستقلال، هذا كله فيما يتعلق بمقدمة الواجب.
(واما مقدمة المستحب) فيعرف الكلام فيه مما سبق في مقدمة الواجب وقد عرفت أن مقدمة الواجب ليست مبعوثا إليها بنحو يستحق ان يطلق عليه اسم البعث والامر، فقس عليها مقدمة المستحب فلا تستحق ان يقال: إنها من المستحبات الشرعية في قبال سائر المستحبات.
(واما مقدمة الحرام) فالتحقيق فيها ان يقال: إنه قد اختلف في معنى النهى (فقد يقال) انه عبارة عن طلب الترك بمعنى انه يشترك مع الامر في كون كليهما من مقولة الطلب والبعث، غاية الامر ان المتعلق في النهى هو الترك، وفي الامر هو الفعل. (وقد يقال): ان النهى ليس من مقولة الطلب والبعث بل هو عبارة عن الزجر عن الفعل، فالمتعلق في كل من الامر و النهى واحد وهو الفعل، والفرق بينهما انما هو في أصل الحقيقة، فالامر عبارة عن البعث، و النهى عبارة عن الزجر، فان قلنا: إن النهى عبارة عن طلب الترك فالترك فيه مبعوث إليه فيصير واجبا من الواجبات الشرعية ويكون مقدماته (أعني التروك المتوقف عليها هذا الترك) أيضا واجبة بناء على الملازمة، وبعبارة أخرى يصير الكلام فيه عين الكلام في مقدمة الواجب، و اما إذا قلنا بكونه عبارة عن الزجر عن الفعل فلو كان وجود هذا الفعل في الخارج متوقفا على وجودات اخر فلا يستلزم الزجر عنه الزجر عن هذه الوجودات