قلت (1) فرق بين ما هو الملاك في تمايز العلوم، وبين ما هو الملاك لتكثيرها فنحن أيضا لا نابي كون العلوم في الوحدة والكثرة تابعة للجهات الخارجية، مثل انه كان علم النحو والصرف معا يعدان علما واحدا، فلما تكثرت مسائله وتشعبت فروعه انحل إلى علمين. وكذلك ترى العصريين يقسمون علم الطب مثلا إلى شعب مختلفة، ويسمون كل قسمة منها بعلم خاص، له موضوع خاص، وطلاب مخصوصون، فالعلوم في الوحدة والكثرة تابعة للجهات الخارجية، ولكنه بعد ما لاحظت علمين من العلوم المدونة، و وازنت أحدهما مع الآخر، تريهما بحسب الذات متمايزين، من جهة ان حيثية البحث في أحدهما تغاير حيثية البحث في الاخر، وهذا التغاير والاختلاف يرجع إلى جامع المحمولات فتدبر. (هذا كله) خلاصة ما يقتضيه التحقيق في بيان ماهية الموضوع للعلوم بنحو العموم (ومما ذكرنا يظهر لك) ما هو الموضوع في علم الأصول، فإنه على التحقيق عبارة عن عنوان (الحجة في الفقه) إذ بعدما علمنا بأن لنا أحكاما شرعية، يحصل لنا العلم أجمالا بوجود حجج في البين بها يحتج المولى علينا، ونحتج عليه، في أثبات الأحكام الشرعية وامتثالها، فوجود أصل الحجة والدليل معلوم لنا، والمطلوب في علم الأصول تعينات الحجة و تشخصاتها، كخبر الواحد والشهرة والظواهر ونحوها، ففي قولنا (خبر الواحد حجة) وان جعل وصف الحجية محمولا، ولكنه بحسب الحقيقة هو الموضوع، فإنه الامر المعلوم، والمجهول تعيناته وأفراده، فمحصل مسائل الأصول هو أن الحجة التي نعلم بوجودها أجمالا، لها تعينات وأفراد، منها خبر الواحد ومنها الشهرة وهكذا، فكل مسألة يرجع البحث فيها إلى تعيين مصداق للحجة مسألة أصولية، كمسألة حجية الخبر والشهرة والاجماع وحجية أحد الخبرين في باب التعارض، ومسألة حجية القطع بقسميه من التفصيلي والاجمالي، فان حجية القطع التفصيلي وان كانت امرا واضحا، ولذا لم يتعرض لها القدماء، إلا أن توهم عدم الحجية في بعض أقسامه أوجب البحث عنها، فهي أيضا من مسائل علم الأصول ولا ربط لها بالمسائل الكلامية كما في الكفاية، وليس الحجة في اصطلاح الأصولي عبارة عن حد الوسط
(١١)