في صورة الموافقة وصورة حكم لا حقيقة لها في صورة المخالفة، وعرفت أيضا أنه يمكن الجمع بين المشيين (وان كان ثانيهما أمتن) بتقريب ان المراد بالحكم الواقعي ان كان ما هو روحه وحقيقته (أعني إرادة صدور الفعل عن العبد) فهو فعلى، وبلحاظه أيضا قد جعل البعث الظاهري، وان كان المراد منه هو البعث الواقعي والخطاب الأولى فهو شأني، بداهة ان البعث انما يكون لغرض الانبعاث، وحيث إن الانبعاث من الخطاب المجهول غير معقول فلا محالة يصير منعزلا عن التأثير وساقطا من الفعلية بمعنى عدم إرادة الانبعاث منه في هذه الصورة من جهة تعذر ترتب هذا الأثر عليه.
(إذا عرفت هذا فنقول): ان الجمع بين الحكمين فيما نحن فيه (أي في الأحكام الظاهرية الواردة في باب أجزاء المأمور به وشرائطه وموانعه) لا يمكن أن يكون بالطريق الذي سلكه في الكفاية، لما عرفت من أن أثر جعل الطهارة الظاهرية في باب الصلاة مثلا ليس إلا كفايتها في صيرورة العمل المأتي به معها منطبقا لعنوان المأمور به من دون ان يترتب عليه المنجزية أو المعذرية، ولازم ذلك عدم فعلية ما دل على اشتراط الصلاة بالطهارة الواقعية وكونه انشائيا صرفا.
(ولا يخفى) ان الانشائية في المقام أيضا تخالف الانشائية في المقامات الاخر، فان المراد بالانشائي في سائر المقامات هو الانشائي الذي ليس لفعليته حالة منتظرة سوى علم المكلف، لما عرفت من أن المانع عن فعلية الخطاب الواقعي هو جهل المكلف به وعدم امكان انبعاثه من قبله، لا لقصور في الخطاب بل لقصور في المكلف من جهة كونه جاهلا ولازم ذلك أنه إذا زال هذا المانع صار فعليا منجزا.
(واما في المقام) فليس المراد بالانشائي فيه هذا المعنى، إذ المفروض (فيما نحن فيه) علم المكلف بوظيفته من الصلاة المشروطة بالطهارة الواقعية بحيث لولا قوله (كل شئ نظيف) كان ينبعث من الخطاب الواقعي ويأتي ما هو المكلف به بجميع حدوده واجزائه وشرائطه التي منها الطهارة الواقعية، فحمل ما دل على اشتراط الطهارة بوجودها الواقعي على الانشائية ليس من جهة جهل المكلف به وعدم امكان تأثيره في نفسه وانبعاثه من قبله، فلا بد من أن يكون لجهة أخرى غير تعذر الانبعاث، ولعل هذه الجهة (فيما نحن فيه)