وقبل الخوض في المقصود نذكر أمورا مهمة، (الامر الأول) قد ذكر في الكفاية ما حاصله: (ان المسألة أصولية، لكون البحث فيها عن الملازمة لا عن وجود اللازم أعني وجوب المقدمة حتى تكون المسألة فرعية.) (أقول): قد اتضح لك مما ذكرناه (في موضوع علم الأصول) عدم كون المسألة أصولية وانما هي من المبادئ الأحكامية للفقه، حيث إنه كان للقدماء مباحث يبحث فيها عن معاندات الاحكام وملازماتها يسمونها بالمبادئ الأحكامية، ومنها هذه المسألة (فان قلت): إذا كان موضوع علم الأصول عبارة عن عنوان (الحجة في الفقه) وكان البحث في العلم عن تعيناتها وتشخصاتها (كما مر شرح ذلك في مبحث الموضوع) فلم لا يكون المسألة أصولية، مع أن البحث فيها عن تعين من تعيناتها إذ يبحث فيها عن أن وجوب الشئ حجة على وجوب مقدماته أم لا؟
(قلت): ليس البحث في المسألة عن الحجية، بل عن الملازمة بين الوجوبين إذ مع عدم الملازمة لا معنى لحجية وجوب شئ على وجوب شئ آخر، وبعد ثبوت الملازمة لا مورد للبحث عن الحجية فان وجود أحد المتلازمين حجة على الاخر بالضرورة، ولا مجال للبحث عنها، وبالجملة محط النظر في المسألة هو اثبات الملازمة لا الحجية.
الامر الثاني في تقسيمات المقدمة (فمنها) ان المقدمة قد تكون داخلية، وقد تكون خارجية، والمراد بالخارجية ما كانت مغايرة لذيها ماهية ووجودا، ولكن كانت في طريق وجوده كالوضوء بالنسبة إلى الصلاة، وبالداخلية ما كانت من اجزائه ومقوماته. (ثم إنه) قد وقع البحث في المقدمة الداخلية من جهتين.
(الجهة الأولى) في تصوير مقدمية الاجزاء فقد يستشكل فيها بتقريب ان المقدمية عبارة عن كون أحدا لشيئين محتاجا إليه في وجود الاخر والاحتياج إضافة بين شيئين ولا يمكن ان يعتبر بين الشئ ونفسه، واجزاء الشئ ليست الا نفسه (وبتقريب آخر) مقدمة الشئ عبارة عما يقع في طريق وجوده، والشيئ لا يقع