وكان الانبعاث منه متوقفا على العلم به، فلا محالة تصير إرادة الانبعاث منه مقصورة على صورة العلم به بمعنى ان المولى بعد علمه بعدم قابلية الخطاب للتأثير في نفس العبد من جهة جهله به لا يعقل ان ينقدح في نفسه إرادة انبعاثه من هذا الخطاب الخاص، ولكن لا يضر ذلك باطلاق إرادة الفعل والشوق إليه بما هو هو لا بما أنه متسبب إليه بهذا الخطاب، وحينئذ فإن كان جعل خطاب آخر طريقي مستلزما للمشقة الشديدة مثلا، لزمه رفع اليد عن واقعه، وإن لم يكن كذلك أو كان الواقع بمثابة من الأهمية بحيث لا يمكنه رفع اليد عنه لزمه جعل حكم ظاهري طريقي ليصير هو الباعث للعبد بعد خيبة الخطاب الأول فالعلة الغائية لكلا الحكمين وما هو روحهما امر واحد، وهو نفس إرادة الفعل وهي ثابتة في حال الجهل بالخطاب الواقعي أيضا، ولذا أثرت في ايجاد الخطاب الظاهري (نعم) إرادة الانبعاث من الخطاب الواقعي نحو الفعل غير ثابتة في حال الجهل، و انما الثابت حينئذ إرادة الانبعاث من الخطاب الظاهري نحوه، وعلي هذا فان أريد بالحكم الواقعي نفس إرادة الفعل قلنا إنه فعلى في حال الجهل أيضا، والخطاب الظاهري أيضا عينه ان طابقه وصوري ان خالفه، وان أريد به إرادة الفعل ولكن لا مطلقا بل الفعل الذي يحصل خارجا بسبب داعوية الخطاب الواقعي، وبعبارة أخرى إرادة الانبعاث من الخطاب الواقعي نحوه، قلنا إنه شأني في حال الجهل لما عرفت من أن إرادة الانبعاث قاصرة عن شمول مورد الجهل، والفعلي حينئذ عبارة عن الخطاب الظاهري، فإنه الذي أريد الانبعاث منه فعلا نحو الفعل.
(إذا عرفت هذا فنقول):
لعل كلام الحاشية مبنى على المشي الثاني في تفسير الحكم الواقعي، وكلام الكفاية مبنى على المشي الأول فارتفع التهافت من البين.
(ولا يخفى) ان المشي الأول امتن، فان تفسير الحكم الواقعي بإرادة الفعل بشرط حصوله بسبب داعوية خصوص الخطاب الواقعي، انما هو من قصور النظر والا فالنظر الدقيق يقتضى خلاف ذلك، فان ما ثبت أولا هو نفس إرادة الفعل والشوق إليه بنحو الاطلاق، والانبعاث نحوه من خصوص خطاب خاص لا خصوصية له في مطلوبية الفعل وانما صار مطلوبا و مرادا بتبع إرادة نفس الفعل ومطلوبيته من جهة كون إرادة المسبب إرادة لأسبابه بالتبع