إذ المناط في صدق المشتق ليس إلا تحقق حيثية المبدأ، ولا يشترط زائدا على ذلك كونه زائدا على الذات، فليس معنى عالميته مثلا الا وجود ما هو حقيقة العلم له وهي انكشاف الأشياء له وحضورها لديه، وليس العلم سوى الانكشاف التام، وكذلك لا معنى لقدرته الا كونه بذاته بحيث يصدق عليه انه ان شاء فعل وإن لم يشأ لم يفعل، وليس شرطا في صدق القادر كون القدرة موجودة بحيالها في قبال وجود الذات، وكذلك معنى القديم ليس إلا أن الذات لا مبدأ لوجودها، وليس شرطا في صدقه كون القدم شيئا موجودا بحياله، وكذلك الحياة فان معناها كون الذات بحيث يترتب عليها آثارها المطلوبة منها من العلم والقدرة وسائر الصفات والأفعال وقس عليها سائر الصفات، مثلا ان قلت (زيد شجاع) فليس معناه ان زيدا شئ وان الشجاعة شئ اخر موجود بحياله، بل معناه ان ذات زيد تكون بحيث يصدر عنها اثار القوة، وليس قوتها موجودة بوجود زائد على وجودها فتدبر.
المقصد الأول في الأوامر قد يقال: إنها جمع آمرة صفة لموصوف محذوف، أي صيغة آمرة أو كلمة آمرة، (وفيه نظر) لعدم مساعدة العرف على ذلك، فان المتبادر من قوله (وخالفت بعض أوامرك مثلا) ليس انى خالفت بعض صيغ امرك، بل المتبادر منه انى خالفت بعض مطلوباتك فالحق انها جمع امر على خلاف القياس، كما أن (أمور) جمعه بمعناه الجمودي ولكن على وفق القياس. ثم إن في هذا المقصد فصولا الفصل الأول فيما يرجع إلى مفاد مادة الامر وصيغته، وفيه مباحث (المبحث الأول) في مادة الامر وقد ذكروا لها معاني عديدة: (فمنها) الطلب كقولهم: آمرك بكذا (ومنها) الشأن كما يقال: شغله امر كذا (ومنها) الفعل كما في قوله (تعالى): وما امر فرعون برشيد. (ومنها) الفعل العجيب كما في قوله تعالى: فلما جاء امرنا (ومنها) الشئ كما تقول: رأيت اليوم امرا عجيبا (ومنها) الحادثة، (ومنها) الغرض كما تقول جاء زيد لامر كذا.