نعم ان كانت المقدمة مقدمة سببية للحرام بان كان وجودها علة تامة لوجوده، كانت محرمة أيضا، اما على القول بان المسببات في الأفعال التوليدية غير مقدورة فظاهر إذ النهى يتعلق حقيقة بالسبب وان تعلق بحسب الظاهر بالمسبب، واما على القول المرضى من أن النهى يمكن تعلقه بالمسبب لكونه مقدورا بالواسطة، فالنهى يتعلق بالسبب أيضا ولكن بالعرض والمجاز بحيث يكون الزجر عن المسبب عين الزجر عن السبب أيضا كما عرفت بيان ذلك في البعث والطلب.
* (الفصل الرابع) * اختلفوا في أن الامر بالشئ يقتضى النهى عن ضده بحيث يصير حراما شرعيا أو لا؟ وقد قسموا الضد إلى العام والخاص، ومرادهم بالضد الخاص أحد الأضداد الوجودية على نحو التعيين كالصلاة بالنسبة إلى الإزالة، وذكروا للضد العام معنيين: أحدهما (وهو المشهور) الترك، وثانيهما أحد الأضداد الوجودية لا بعينه. (والأقوال) في المسألة كثيرة (فقال بعضهم): ان الامر بالشئ عين النهى عن ضده، (وآخرون) ان دلالته عليه بالتضمن، (ومنهم من قال): ان دلالته عليه بالالتزام، ثم اختلفوا في أن اللازم هنا بين أو غير بين بالمعنى الأخص أو الأعم.
(ثم إن بعضا منهم) قد أطلق في مقام طرح النزاع، (وبعضهم قال): ان النزاع في الضد العام واما الخاص فلا نزاع في عدم اقتضاء الامر للنهى عنه، (وقال آخرون): ان النزاع في الخاص واما العام بمعنى الترك فلا نزاع في دلالة الامر على النهى عنه.
(ثم إن الظاهر) كون المسألة من المبادئ الاحكامية، وقد كانت القدماء من الأصوليين يذكرون في كتبهم الأصولية نبذا من المبادئ اللغوية، ونبذا من المبادئ العقلية كالبحث عن الحسن والقبح، ونبذا من المبادئ الاحكامية. والمراد بالمبادئ الاحكامية لوازم الاحكام وملزوماتها وملازماتها، وحيث إن الموضوع في علم الأصول عبارة عما هو الحجة على الأحكام الشرعية احتاج الأصولي من جهة زيادة البصيرة إلى البحث عن أقسام الأحكام الشرعية والبحث عن لوازمها وملازماتها وملزوماتها.