فلو خطر ببال بعض القراء والباحثين ان في بيان بعض المطالب وتوضيحه نحو قصور واضطراب، فاستناده إلى أقرب من أن يسند إلى الاستاد (مد ظله العالي).
نعم مباني الاستاد كلما كانت عالية، وبراهينه على اثبات مقاصده قوية، ولكنها في مقام التقرير تتنزل وتتقدر بقدر استفادة المقرر واستعداده، هذا. ولكني مع ذلك كله لم آل جهدا في تقرير مبانيه (مد ظله) وتبيينها، ليكون لي تذكرة ولغيري تبصرة وحيث كان هو (مد ظله) يراعى غالبا ترتيب الكفاية، فأنا أيضا اذكر عناوين المباحث على وفق ما فيها، ليتيسر للطالب ارتياد المسائل من مواردها، وعلي هذا فيكون كتابي هذا مشتملا على مقدمة ومقاصد. اما المقدمة ففي بيان أمور الامر الأول في أن تمايز العلوم بتمايز الموضوعات، وانه ما هو موضوع العلم، وأي شئ هو الموضوع في علم الأصول؟
اعلم أن القدماء قد تسالموا على امرين (الأول) ان تمايز العلوم بتمايز الموضوعات.
(الثاني) ان موضوع كل علم ما يبحث في هذا العلم عن عوارضه الذاتية، ولما كان علم الأصول أيضا علما برأسه تصدى القوم لبيان موضوعه، فقال بعضهم: أن موضوعه الأدلة الأربعة واستشكل عليه بعض المحققين بان مقتضى ذلك كون حجية الأدلة الأربعة ووصف دليليتها من مقومات الموضوع لا من عوارضه. ولازم ذلك أن تصير أمهات المسائل (أعني ما يبحث فيها عن حجية الأدلة) خارجة من علم الأصول، وتدخل في سلك المبادئ.
واختار هذا المستشكل كون الأدلة الأربعة بذواتها، لا بما انها متصفة بوصف الدليلية موضوعا لعلم الأصول، حتى يكون البحث عن حجيتها ودليليتها أيضا بحثا عن عوارضها الذاتية.
ويرد عليه (مضافا إلى ما في الكفاية) ان موضوعية أمور متشتتة لعلم واحد، انما هي باعتبار وجود جامع بينها يكون هو الموضوع حقيقة، ولا جامع بين ذوات الأدلة