(وما قيل): من كون كلمة (هذا) موضوعة للمفرد المذكر المشار إليه فاسد جدا بداهة عدم وضعها لمفهوم المشار إليه، ولم يوضع لذات المشار إليه الخارجي الواقع في طرف الامتداد الموهوم أيضا، إذ ليس لنا مع قطع النظر عن كلمة (هذا) إشارة في البين حتى يصير المفرد المذكر مشارا إليه ويستعمل فيه كلمة هذا.
(وبالجملة) لفظة هذا مثلا وضعت لنفس الإشارة، ويكون عمل اللفظ فيها عملا ايجاديا ولم توضع للمشار إليه كما قيل. وقد أشار إلى ما ذكرنا في الألفية حيث قال: بذالمفرد مذكر أشر، (إلى آخر ما قال).
(نعم) لما كان حقيقة الإشارة امرا اندكاكيا فانيا في المشار إليه، فلا محالة ينتقل الذهن من كلمة هذا إلى المشار إليه، ويترتب على هذا اللفظ احكام اللفظ الموضوع للمشار إليه، فيجعل مبتدءا مثلا ويحمل عليه احكام المشار إليه، فيقال: (هذا قائم) كما يقال:
(زيد قائم). (ونظير ذلك) الضمائر والموصولات، فيشار بضمير المتكلم إلى نفس المتكلم وبضمير المخاطب إلى المخاطب، وبضمير الغائب إلى المرجع المتقدم ذكره حقيقة أو حكما، فيوجد بسببها في وعاء الاعتبار امتداد موهوم بين المتكلم وبين نفسه أو المخاطب أو ما تقدم ذكره، ويشار بالموصول أيضا إلى ما هو معروض الصلة.
(والحاصل) ان جميع المبهمات قد وضعت بإزاء الإشارة، ليوجد بسببها الإشارة إلى أمور متعينة في حد ذاتها اما تعينا خارجيا كما في الأغلب أو ذكريا كما في ضمير الغائب، أو وصفيا كما في الموصولات حيث إنه يشار بها إلى ما يصدق عليه مضمون الصلة، ولأجل ذلك يستفاد من الموصولات العموم بتبع عموم الصلة، فهذه هي أنواع الألفاظ المستعملة في المعاني. (وقد عرفت) ان بعض الحيثيات يرجع إلى الاختلاف الذاتي بين المفاهيم: كحيثية الالية والاستقلالية حيث إن المعاني كانت على سنخين، و الواضع كما لاحظ المفاهيم المستقلة ووضع بإزائها نبذا من الألفاظ، كذلك لاحظ المعاني الربطية ووضع لها قسمة من الألفاظ والهيئات، وبعض الحيثيات يرجع إلى نحو الاستعمال كهيئة الافهامية والانشائية والتصورية والتصديقية، فان هذه الحيثيات ليست مأخوذة في الموضوع له، وانما هي انحاء عمل اللفظ في المعنى وقد لاحظها الواضع حين وضعه