فلمثل هذا فليعمل العاملون، ومن يؤتى الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
ولا غرو أن يكون مثل هذا الفاضل الواصل في التحقيق إلى درجة الكمال والناقد على من قبله من فحول الرجال، لأ نا قد وجدنا ان غالب الرواة وأهل الولاية والمحدثين من المشائخ الأعلام من أهل العجم، فهم المتمسكون بالحبل المتين:
عترة المصطفى والكتاب المبين، بل هم بمقاصد أئمتهم - سلام الله عليهم - عارفون أكثر من غيرهم.
ولو قيل: إن التحقيق في غالب العلوم محصور فيهم لكان جديرا.
وأيضا قد شاع وذاع عند كل ممارس على أن العلم لو كان في السهى [بثريا] لناله رجال من فارس.
وأقول: إنه قد يخطر في البال بطريق الاحتمال: ربما يعرض لبعض من لا تدبر له إذا وقف على هذا التحرير في هذا الكتاب في أول وهلة قبل أن يتأمل في معانيه ويجيل فكره في معانيه ولم يمعن تمام الإمعان فيه، فحينئذ لم يتنبه للصواب، لوجوه:
منها: إما لتقصير في فهم، وإما لعدم إحاطته واطلاعه على كتب السلف.
ومنها: عدم المراعاة والإنصاف.
ومنها: أن يكون مقلدا لغيره، فيعتبر بمذهب من سلف من قدمائنا، لألفة طريقتهم وحسن ظنه بهم كأمثالنا بأهل هذا الزمان. وربما يقول قائل منهم: غالب فقهائنا يعملون بالظن في بعض الأحكام الشرعية، فكيف ينفرد صاحب هذه الفوائد في هذا الكتاب ويعمل بالقطع فيها؟ وكيف يخرج عن سمت من قبله؟ هذا عجيب!
كأنه لم يعلم أن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء من عباده.
ومنها: من يتعلل ب " لم " و " كيف " وأمثال ذلك من التعليلات الكاسدة والأفهام الباردة، ولو تدبر قوله تعالى في الذكر الحكيم: ﴿وفوق كل ذي علم عليم﴾ (1) لأراح نفسه من هذه الاحتمالات.