مهملين، وليعظموه ويوحدوه ويقروا له بالربوبية، وليعلموا أنه خالقهم ورازقهم، إذ شواهد ربوبيته دالة ظاهرة وحججه نيرة واضحة وأعلامه لائحة، تدعوهم إلى توحيد الله عز وجل وتشهد على أنفسها لصانعها بالربوبية والإلهية، لما فيها من آثار صنعه وعجائب تدبيره. فندبهم إلى معرفته لئلا يبيح لهم أن يجهلوه ويجهلوا دينه وأحكامه، لأن الحكيم لا يبيح الجهل به والإنكار لدينه، فقال جل ثناؤه: ﴿ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق﴾ (١) وقال: ﴿بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه﴾ (٢) وكانوا محصورين بالأمر والنهي مأمورين بقول الحق غير مرخص لهم في المقام على الجهل، أمرهم بالسؤال والتفقه في الدين فقال: ﴿فلولا نفر من كل فرقة طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون﴾ (٣) وقال: ﴿فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون﴾ (4).
فلو كان يسع أهل الصحة والسلامة المقام على الجهل لما أمرهم بالسؤال، ولم يكن يحتاج إلى بعثة الرسل بالكتب والآداب وكادوا يكونون عند ذلك بمنزلة البهائم ومنزلة أهل الضرر والزمانة، ولو كانوا كذلك لما بقوا طرفة عين.
فلما لم يجز بقاؤهم إلا بالأدب والتعليم وجب أنه لابد لكل صحيح الخلقة كامل الآلة من مؤدب ودليل ومشير وآمر وناه وأدب وتعليم وسؤال ومسألة، فأحق ما اقتبسه العاقل والتمسه المتدبر الفطن وسعى له الموفق المصيب العلم بالدين، ومعرفة ما استعبد الله به خلقه من توحيده وشرائعه وأحكامه وأمره ونهيه وزواجره وآدابه.
إذ كانت الحجة ثابتة والتكليف لازما والعمر يسيرا والتسويف غير مقبول فالشرط من الله جل ذكره فيما استعبد به خلقه أن يؤدوا جميع فرائضه بعلم ويقين وبصيرة ليكون المؤدي لها محمودا عند ربه مستوجبا لثوابه وعظيم جزائه، لأن الذي يؤدي بغير علم وبصيرة لا يدري ما يؤدي ولا يدري إلى من يؤدي.
وإذا كان جاهلا لم يكن على ثقة مما أدى ولا مصدقا، لأن المصدق لا يكون مصدقا حتى يكون عارفا بما صدق به من غير شك ولا شبهة، لأن الشاك لا يكون