الفوائد المدنية والشواهد المكية - محمد أمين الإسترآبادي ، السيد نور الدين العاملي - الصفحة ٤٢٩
حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد (رضي الله عنه) قال حدثنا محمد بن الحسن الصفار عن إبراهيم بن هاشم، عن إسماعيل بن مرار، عن يونس بن عبد الرحمن، عن حماد بن عبد الأعلى قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) أصلحك الله! هل جعل في الناس أداة ينالون بها المعرفة؟ قال، فقال: لا. قلت: فهل كلفوا المعرفة؟ قال: لا، على الله البيان لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ولا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها. وسألته عن قول الله عز وجل: ﴿وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون﴾ (1) قال: حتى يعرفهم ما يرضيه وما يسخطه (2).
وبهذا الإسناد عن يونس بن عبد الرحمن، عن سعدان يرفعه إلى أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن الله عزوجل لم ينعم على عبد بنعمة إلا وقد ألزمه فيها الحجة من الله عز وجل، فمن من الله عليه فجعله قويا فحجته عليه القيام بما كلفه واحتمال من هو دونه ممن
____________________
وأمثاله إلى الله - سبحانه وتعالى - في القرآن والحديث بأنها من فعله.
وأما ما تضمنه الحديث مما يتعلق بالرسول - صلوات الله عليه - فلا شك أن الله - سبحانه - إذا تعلقت حكمته بوجود فعل من العبد في وقته لمصلحة تقتضي وجوده منه فلابد من وجوده، ولا يخرج بذلك فعل العبد عن الاختيار. وقوله (عليه السلام) في أثناء الحديث: " إن الله يهدي ويضل " وقوله قبله: " لا أقول أنهم ما شاءوا صنعوا " إن حملنا على ظاهره فهو عين الخبر الذي تعتقده الأشاعرة. وقد وقع مثله في القرآن وأولته المعتزلة والشيعة بما يوافق الحق، وهو في القرآن ربما أكثر منه مما وقع في الحديث. ولو كان التأويل يستلزم محذورا كان ذلك في القرآن أظهر. ولو استلزم خللا في الهداية كان أيضا فيه أبلغ، لأ نه أصل الهداية. ومع هذا الاشتباه لم يحف (3) الحق عن المجتهدين في طلبه، ولله الحمد.
وقوله (عليه السلام): " وكل شيء أمر الناس به فهم يسعون له وكل شيء لا يسعون له فهو موضوع عنهم " فيه دلالة واضحة على سعة الرجوع إلى الظن في أحكام التكليف عند تعذر العلم أو تعسره، فإيراد المصنف هذا الحديث لظنه موافقة اعتقاده إن كان بما يتعلق بمذهب الأشاعرة فالحكم لله في حقه، وإن كان لغير ذلك فقد بينا دلالته على خلاف ما يتوهمه ويقرره ويكرره بأوضح بيان.

(١) التوبة: ١١٥.
(2) التوحيد: 402، ح 11. في الأصل: لم يخيف، وفي نسخة الهامش: لم يحيف.
(٤٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 424 425 426 427 428 429 430 431 432 433 434 ... » »»
الفهرست